مازال مولد الثانوية العامة مستمرا لم ينته بعد ومراحل التنسيق للقبول بالجامعات تعلن نتيجة مرحلة كل منها لتبدأ المرحلة التي تليها وأمر القبول كله يتوقف علي المجموع الذي ارتفع هذا العام بالنسبة لما يطلق عليه كليات القمة إلي عنان السماء ووصل إلي مستوي لم يصله من قبل.. ودقي يا مزيكا قلبي مع الأبناء الذين طحنتهم الثانوية العامة وقلبي مع أولياء الأمور الذين أصبحت حياتهم معلقة علي درجة أو نصف درجة.. وقلبي علي الجامعات التي لا أدري كيف سوف تستوعب هذه الاعداد وامكانياتها علي ما نعرفها. وانا هنا أضع نفسي مكان أي طالب أو ولي أمر كيف يستطيع أن يحدد الكلية المناسبة التي يختارها.. وسط هذا الصخب الشديد في مزاد لمجاميع لابد ان يختار الطالب صاحب المركز المتفوق كلية من كليات القمة بغض النظر عن أي اعتبارات أخري. ولنتوقف ملياً أمام هذه الاعتبارات لانها من - وجهة نظري - هي بيت القصيد ماذا لو أن الطالب قد حصل علي 100% أو أكثر - وهذا أمر أصبح مألوفاً وأصحابه بالآلاف - هل يمكن لهذا الطالب أن يختار سوي كلية الطب ان كان علمي علوم أ كلية الهندسة إن كان علمي رياضة أو كلية الاقتصاد أو الألسن ان كان قسم أدبي.. هل يفكر الطالب هنا في قدراته وامكانياته ان كان يناسبها دراسة الطب أوالهندسة او الاقتصاد او اللغات ان كل الأمور تدفعه نحو ذلك الاختيار حتي يكون لتفوقه معني.. ولا تهم قضية قدراته وامكانياته ورغباته.. ليتجه الجميع نحو كليات القمة فهي الجنة.. ولكني اخشي ان تكون جنة العبيط التي كتب عنها استاذنا زكي نجيب محمود.. سرعان ما سوف يكتشف هذا المتفوق انه لم يدخل جنة وانما انساق إلي ما قد لا يكون فيه ما يشتهي ويريد والأخطر والأهم انه لا يعرف وهو يتقدم إلي الكلية التي يريدها وهي احتياجات سوق العمل خلال المرحلة القادمة بعد ان يتخرج ويحصل علي الشهادة.. ماذا سيكون مطلوبا بشدة في تلك السوق.. سواء كانت سوق عمل محلية ام في دول الخليج او حتي في دول أجنبية. اننا نتحدث عن العولمة ليل نهار.. فهل من أحد يدلنا علي احتياجات اسواق العمل في ظل تلك العولمة. الواقع انه لا احد اهتم بأن يدلنا علي احتياجات اسواق العمل ولا نحن المعنيون بمستقبل ابنائنا سعينا إلي ذلك وكان هذا أمر لا يهم أحداً.. مع انه العنصر الحاسم في الموضوع كله. والخطر القادم أيها السادة - وصدقوني - اننا سوف نجد في سوق العمل عرضا لا يقابله طلب.. ناس تحمل شهادات ومؤهلات وسوق العمل ليس في حاجة إليها أي بطالة لا يمكن تشغيلها كما سوف نجد طلبا في سوق العمل لا يقابله عرض أي شركات ومؤسسات تبحث عن تخصصات معينة لا تجدها في المتاح من الباحثين عن العمل.. وهكذا نصبح أمام معضلة كبري ناس يبحثون عن عمل لا يجدونه وعمل يبحث عن ناس ولا يجدهم هذا بالتحديد أيها السادة هو الخطر القادم وهو يحتاج منا إلي كل الانتباه وكل الجهد المخلص لعلاجه.. وعلينا ان نبدأ أولا من السوق.. سوق العمل ما هي احتياجاته خلال السنوات القادمة؟ وكيف يمكن ان نربط التعليم والتدريب لدينا بسوق العمل واحتياجاته حتي يكون لدينا عرض يقابله طلب.. وطلب يقابله عرض.. تلك هي القضية ان نكون جادين في مواجهة مشكلة البطالة او لا نكون فلا يمكن ان تحل المشكلة من خلال فرض عاطلين علي اعمال لا تحتاج إليهم.. كما لا يمكن أن ينمو الاستثمار وتعمل المصانع وتدور عجلة الاقتصاد القومي دون أن تجد من العمالة النوعية التي تحتاج إليها وتلزمها. هل يمكن أن نصل إلي يوم نستورد فيه العمالة التي نحتاج إليها حتي تدور عجلات الاقتصاد وآلات المصانع؟ وهل يمكن ان نستمر علي ما نحن فيه حتي تصبح المشكلة أزمة وتصبح الأزمة كارثة؟.. أيها السادة انه الخطر القادم عاطلون لا يحتاج إليهم سوق العمل.. وعمالة يحتاجها سوق العمل وليست موجودة.. انتبهوا أيها السادة يرحمنا ويرحمكم الله.