لا أخص اعجابي بمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء لا سيما في الأونة الأخيرة التي زاد فيها نشاط المركز في عقد الندوات وعمل الدراسات واجراء استطلاعات مهمة للرأي العام.. وعندي أسباب عديدة لذلك لعل من أهمها حقيقة أن المعلومات اصبحت هي الاداة الرئيسية في ترشيد اتخاذ القرارات في هذا العصر والاوان.. فلم تعد اية جهة حكومية أو غير حكومية تستطيع أن تتعامل مع الواقع والاحداث وان تضع من الخطط والبرامج أو تتخذ من القرارات في إطار ممارساتها لاختصاصاتها ومهامها دون أن تعتمد علي معلومات ملائمة وكافية وموثوق فيها بدرجة كافية ويلزم أن تكون تلك المعلومات متوافرة في التوقيت المناسب. وفضلا عن هذا السبب الرئيسي فإن هناك سببا آخر لا يقل أهمية في نظري وهو ما يبذله مركز دعم واتخاذ القرارات أو مركز معلومات مجلس الوزراء من جهد متميز في اكتساب الثقة فيما يصدر عنه من معلومات وتلك هي النقطة التي أود التوقف عندها.. فقد جاء في هذا السياق نتائج استطلاع رأي قام به المركز ونشرت عنه جريدة نهضة مصر. وهذا الاستطلاع حول سوق العمل وأوضاعها ومن النتائج التي اسفر عنها هذا الاستطلاع ما يلي: 1 - ان 70% ممن وجدوا فرص عمل في منشآت القطاع الخاص اعتمدوا علي الاصدقاء والمعارف في العثور عليها وحصلوا من خلالها علي فرص عمل بمواصفات ومهارات محددة. 2 -ان الإعلان عن الوظائف جاء في المرتبة الثانية ووكالات التوظيف في المرتبة الثالثة بنسبة 4% وملتقي الجامعات لم يزد نصيبها علي 1%. وإذا تأملنا هذه النتائج فانها تبدو منطقية رغم أنها صارمة يشكل بذلك ان القطاع الخاص لا يفترض فيه أنه يلجأ إلي المعرفة والوساطة في تعيين العاملين لديه.. ولكن القضية أيها السادة ان المهارات والتوعية التي يحتاج إليها سوق العمل الآن لم يعد من السهل العثور عليها ويبدو أننا سوف نشهد قريبا مشكلة في سوق العمل وهي الاختلاف بين الطلب والعرض فنجد فرصا للعمل لا يقابلها عرض من جانب السوق لنوعيات العمالة المطلوبة وسيكون لدينا عرض أو عمالة في سوق العمل ولكنها غير مطلوبة وهذا ما يجب أن ننتبه له من الآن فالأمر جد خطير والأمر يحتاج إلي ربط التعليم ومراكز التدريب بسوق العمل وأن يكون لدينا تصور كاف لاحتياجات سوق العمل في الفترة المقبلة.. وقد يكون من المناسب أن تسعي وزارة القوي العاملة إلي تخصيص جزء من موازنتها أو جزء من الاعانات الدولية التي يمكن أن تخصص للوزارة لإعداد دراسة عن احتياجات سوق العمل المصرية في الفترة المقبلة من حيث المؤهلات والمهارات والخبرات المطلوبة. ولا ألوم القطاع الخاص علي أن يسعي من خلال المعارف أو حتي الواسطة تشغل الوظائف لديه بشرط أن يتوافر لدي هؤلاء المؤهلات والمهارات والخبرات المطلوبة وإني لا أحبذ ذلك حتي يتاح للعرض أمام الجميع بعدالة وموضوعية وحتي لا يصاب الشباب بنوع من الاحباط وتنتشر لدينا الاقاويل بشأن الواسطة والمعارف ولابد أن يملك شجاعة الاعتراف بأن ذلك موجود بل ويكاد يشكل جزءا من ثقافة العمل لدينا لأن الناس قد جربت أن تحاول قضاء أمورها دون واسطة فلم يكن الأمر علي النحو المطلوب أو المفترض.. إن الواسطة تلعب دورا رئيسيا لدينا في قضاء أمور الناس ويحتاج الأمر إلي بعض الوقت وإلي آليات جديدة في عملية الاختيار وفي ضوابط اداء الأجهزة الحكومية أو حتي غير الحكومية لكي يتوافر لدي المجتمع بجميع قطاعاته الاحساس بأن الكفاءة وحدها هي معيار المناضلة سواء كانت كفاءة مهنية أو فنية أو كفاءة اخلاقية.. وهذه قيمة كبري يجب أن تحرص عليها المجتمعات التي تسعي نحو النهضة والتقدم لأن العدل والعدالة ليست فقط في المحاكم والقضايا ولكن في كل الأمور.. أن يري المتفوق وصاحب الكفاءة أنه يأخذ حقه في الوظيفة أو الخدمة أو أي أمر من الأمور مادم استوفي شروطه بغض النظر عن اية اعتبارات اخري. نعم نحن علي الأرض وسوف توجد دائما استثناءات في ذلك ولا بأس بشرط ألا يصبح الاستثناء هو القاعدة. ومما اظهره ايضا استطلاع الرأي الذي قام به مركز معلومات مجلس الوزراء كذلك ان بكالوريوس التجارة هو أكثر التخصصات المطلوبة من جانب أصحاب الأعمال وربما يعطي ذلك مؤشرا عن نوعية فرص العمل المتاحة لدي القطاع الخاص وعن أهمية الاهتمام بإعداد الخريجين من كليات التجارة لسوق العمل ومن ضرورة الحرص علي تزويدهم بمهارات اللغات الأجنبية واستخدامات الحاسب الآلي وتطوير الدراسات التجارية في مجالات المحاسبة والاقتصاد والإدارة والاحصاء والتأمين والعمل علي زيادة الدبلومات المتخصصة في المحاسبة والضرائب والبنوك والإدارة في مجالات النشاط المختلفة وفي مجالات سوق العمل ودراسات تقييم الشركات وقواعد المحاسبة والمراجعة الدولية والصناعات المصرفية وغيرها من التخصصات المطلوبة لسوق العمل.. ولعل اجراء هذه الاستطلاعات ونشرها من قبل مركز معلومات مجلس الوزراء يشير إلي أهمية تحليلها وقراءة نتائجها والعمل في الاتجاهات الصحيحة التي تشير إليها. وانتهز هذه المناسبة لكي أشير إلي أهمية أن تتعدد مراكز استطلاعات الرأي عندنا وفقا الضوابط الصارمة وتشريعات محكمة لكي تتنافس في اجراء دراسات المسح الميداني واستطلاعات الرأي حول مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية وحتي السياسية وقد يشير ذلك أيضا إلي أهمية أن يصدر قانون المعلومات الذي يمكن أن ينظم مثل تلك القضايا. أيها السادة نحن في عصر المعلومات حقيقة وليس خيالا والمعلومات هي عصب هذا العصر وأهم منتجاته والزم احتياجاته.. ومع كل تقديري لمركز معلومات مجلس الوزراء فإنني أرجو أن يكون النواة التي يتجمع حولها مراكز معلومات عديدة ومستقلة ومنضبطة تحكمها التشريعات وتديرها الكفاءات وتعمل علي ترشيد كل القرارات في مختلف المجالات في ربوع بلدنا العزيز.