نستطيع ان نقول ان اتجاهات معدل التضخم في مصر باتت لغزا محيرا فهناك من يتوقع تراجع المعدل بداية من الشهر القادم او في شهر يونية علي أقصي تقدير وهناك من يتوقع مواصلة معدل التضخم لارتفاعه الذي بدأه في شهر يوليو الماضي عقب صدور قرار د.أحمد نظيف رئيس الوزراء برفع أسعار البنزين والسولار. الأرقام الأخيرة ونظرة علي الأرقام الأخيرة سواء الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أو البنك المركزي أو وزارة التنمية الاقتصادية نجد ان معدل التضخم يواصل ارتفاعه شهرا بعد شهر، وذلك علي عكس توقعات سابقة تنبأت في وقت سابق انتهاء موجة ارتفاع معدل التضخم عقب امتصاص الضغوط السعرية الناجمة عن ارتفاع اسعار البنزين والسولار فقبل ايام قال د.عثمان محمد عثمان وزير الدولة للتنمية الاقتصادية ان معدل التضخم زاد في نهاية مارس الماضي الي 13.3% وذلك بمقياس اسعار المستهلكين. وبغض النظر من اختلاف هذا الرقم عن الرقم الذي أعلنه موقع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء والذي حدد المعدل بنسبة 12.8% في نهاية مارس الماضي الا ان المؤشرات تقول ان معدل التضخم في زيادة مستمرة وذلك علي عكس توقعات لمسئؤلين كبار بالحكومة علي رأسهم د.يوسف بطرس غالي وزير المالية الذي أكد في ديسمبر الماضي ان ارتفاع معدل التضخم سيستمر بضعة أشهر وان المعدل قد يتجاوز مستوي 11.8% مع تكيف الاقتصاد مع ارتفاع اسعار السلع. ووصف غالي التضخم بانه ظاهرة قد تستمر بضعة أشهر وان هناك اسبابا وراء ارتفاع المعدل منها القرار الذي اتخذته الحكومة منتصف العام الماضي برفع اسعار الوقود ونقص الدواجن بعد ازمة تفشي مرض انفلونزا الطيور في فبراير الماضي. في الوقت الذي تؤكد فيه مصادر حكومية ان التضخم بلغ ذروته وانه علي وشك الهبوط لكن محللين يتوقعون استمرار هذه الموجة التضخمية التي تشكل تحديا كبيرا امام صناع السياسة النقدية. أسباب الزيادة ويبني هؤلاء المحللون توقعاتهم علي استمرار العوامل التي أدت اصلا الي حدوث قفزة في معدل التضخم منذ اغسطس الماضي وحتي الآن بالاضافة الي ظهور عوامل اخري تدفع نحو الضغوط التضخمية ومن أبرز هذه العوامل: * الارتفاع الملحوظ في أسعار مواد البناء خاصة الحديد والأسمنت وهذا الارتفاع مرشح للاستمرار في ظل الانتعاشة التي أصابت قطاع البناء والتشييد والزيادة المرتقبة في أسعار الأراضي والعقارات خلال الصيف القادم مع عودة المصريين العاملين بدول الخليج لقضاء الإجازة الصيفية ودخول شركات استثمار عقاري جديدة السوق الي جانب توسع الشركات القائمة وعلي رأسها أملاك واعمار والبابطين داخل السوق المصري. * استمرار ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن وذلك علي خلفية ازمة انفلونزا الطيور صحيح ان البعض يري ان حدة الأزمة تراجعت بشدة عقب انحسار بؤرة المرض ولكن آخرين يؤكدون في المقابل استمرار القلق بشأن مرض انفلونزا الطيور خاصة مع الاعلان عن وفاة حالة مصابة بالمرض من آن لآخر. * زيادة الواردات السلعية خاصة المتعلقة بالمواد الخام والسلع الوسيطة وهو ما يسبب زيادة في الضغوط التضخمية وعوامل ضغط لسوق الصرف وان كان البعض يري ان حيازة مصر احتياطي ضخم من النقد الاجنبي يتجاوز ال26 مليار دولار والاستقرار الحالي في سوق الصرف كفيلان بامتصاص الآثار الناجمة عن هذا العامل. * تسارع النمو الاقتصادي وبصفة خاصة في قطاعي الصناعات التحويلية والبناء والتشييد وهو احد الاسباب التي قد تدفع نحو ارتفاع معدل التضخم في الفترة المقبلة. توقعات * وجود توقعات لدي البعض بصدور قرارات ادارية تتعلق برفع اسعار الكهرباء وتخفيف الدعم المقدم للسولار والبنزين وفي حالة صدق هذه التوقعات فانها ستشكل أزمة امام صناع القرار الاقتصادي الذي يسعي لتقليص معدل التضخم بسبب اثاره السلبية علي الاقتصاد القومي. * ارتفاع اسعار المستهلكين داخل السوق فباعتراف وزير الدولة للتنمية الاقتصادية فقد زادت أسعار الخدمات الثقافية والترفيهية في الفترة الماضية بنسبة 7.28% كما زادت أسعار المواصلات بنسبة 25.1% أما اسعار الاغذية والمشروبات فبلغت نسبة الزيادة بها 16.7% كما شملت الزيادة ايضا اسعار خدمات النقل والتعليم والمساكن والمياه بما يتراوح بين 7% و11% والسلع المنزلية والملابس والأقمشة 5.3% والرعاية الصحية 2.8%. إذاً معدل التضخم يواصل ارتفاعه ففي مارس 2006 بلغ المعدل 3.7% سنويا وفي بعض الارقام الحكومية 3.4% فقط وارتفع بعد ذلك حتي بلغ 13.3% نهاية مارس 2007 طبقا لأسعار المستهلكين. توقعات عالمية وإذا كان هناك خلاف حول الرقم الحقيقي للتضخم في مصر بين الجهات المسئولة فان هذا الخلاف امتد ايضا الي المؤسسات العالمية ولكنه أنصب علي توقعات المستقبل. وعلي سبيل المثال فان بنك مورجان ستانلي الامريكي الشهير يري ان سياسات الاقتصاد الكلي الفضفاضة في مصر تؤدي الي حدوث نمو تضخمي مما يثير شبح التباطؤ الاقتصادي الذي قد يضر في النهاية بالأسر الفقيرة واكد البنك العالمي ان الخطيئة الرئيسية للاختلالات النقدية في مصر تتمثل في تواصل ايجاد ضغوط تضخمية تحد من فعالية السياسة النقدية وان المشكلة في مصر أعمق خاصة مع العجز الكبير في الموازنة والذي يعد مشكلة حقيقية ينجم عنها نمو غير متوازن وضغوط تضخمية. لكن في المقابل تتوقع مؤسسة الايكونومست البريطانية الشهيرة تراجع معدل التضخم السنوي في مصر الي 8.6% نهاية العام الجاري مقابل 7.7% نهاية 2006 و4.9% في عام 2005 كما توقعت تراجع المعدل الي 4.5% فقط نهاية عام 2008. لكن اطرافا محايدة تري ان تراجع معدل التضخم يتوقف علي الاجراءات التي يتخذها صناع السياسة النقدية والمالية والاقتصادية في مصر وما اذا كان سيتم الابقاء علي الدعم المقدم للكهرباء والبنزين والسولار من عدمه ويتوقف كذلك علي الخطوات التي قد تتخذها البنوك لرفع أسعار الفائدة علي الودائع لامتصاص اثار التضخم السلبية وعلي خطة تقليص الدين العام المحلي وزيادة الصادرات والاستثمارات الاجنبية المباشرة داخل السوق.