نبحث جميعاً عن الديموقراطية علي أنها الأمل الذي سوف يقوم بحل جميع مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. الجميع يتكلم بأسم الديموقراطية: الساسة والمثقفون والفنانون وعلماء الاجتماع ورجال الأحزاب، والجمعيات الأهلية ورجل الشارع والمرأة في منابرها.الكل يسعي لهدف واحد: تطبيق الديموقراطية وهذا يعني أن جميع فئات الشعب مقتنعة تماما بالديموقراطية. إذن أين المشكلة؟ المشكلة في الحقيقة في الإنسان المصري نفسه، فنحن لم نتعلم الديموقراطية، وممارسة الديموقراطية تحتاج إلي أسس ونظم تبدأ من الطفولة. وبنظرة لحال الأسرة المصرية والمدرسة والجامعة والحياة العملية نجد أننا لا نعرف شيئا عن هذا الشعار الذي نطالب بتطبيقه. فالأب والأم في الأسرة المصرية يظلان في حالة حماية لأولادهم حتي بعد الزواج، وتمتد الحماية إلي الأحفاد! والأسرة المصرية بصورتها الحالية لا توجد رجالا ونساء يتحملون المسئولية، وهي تسعي إلي السيطرة ولا تملك القدرة علي ترك الابن والابنة لتحمل مسئولية نفسه، وحتي بالنسبة للعمل فإن الأسرة المصرية في أغلب الأحيان هي التي تسعي بالواسطة وبالنفوذ وبغيرهما للحصول للأولاد علي فرصة العمل، مما تسبب في وجود جيل لا يعرف أبسط مسئولياته في الحياة، وهي الاعتماد علي الذات. أيضا فإن الأسرة المصرية بحسب وضعها الاجتماعي تعطي بلا حساب للأولاد وتنسي أن تعلم أولادها أن لكل شيء ثمنا يجب أن يدفعه المرء من حسابه الخاص، وأول دروس الديموقراطية أن يختار الإنسان حياته، إذ كيف يمكن أن يختار المواطن أمام صندوق الانتخاب وهو لا يعرف شيئا عن مسئوليات الحياة.. وهو لا يستطيع أن يتحمل مسئولية زاده وزوّاده وأسرته؟! إن الديموقراطية فكر سياسي يجب أن نتعلمه في المدارس ولكي نتعلمه في الطفولة لابد أن يكون منهج المدرسة في حد ذاته ديمقراطيا وأن يري الطفل في بداية حياته أنه يستطيع الاختيار وأن نعلمه معني الاستقلال الاقتصادي الذي يمكنه من استقلاله عن سطوة الأسرة وسطوة المجتمع والحكم السياسي، فعندما يمارس الطالب الانتخاب في مدرسته يتعلم كيف يختار ويتعلم أن صوته مقدس وأن الفارق كبير بين أن يعطي صوته أو يمتنع عن التصويت. ولابد أن يتعلم المصري أن يستمع وأن لا يقاطع من يتحدث إليه حتي يعبر تماما عن رأيه الشخصي. ولابد أن نعلمه أن تحمل المسئولية جزء لا يتجزأ من حريته وأن نعلمه أن البناء لا يمكن أن يتم بمجهود الغير وأن الاستقلال الاقتصادي هو أول مبادئ الديموقراطية وأن العمل مقدس، وأن تتعلم الطفلة المصرية معني الحرية علي حقيقتها وأن تحرص علي حقها في العمل الذي يوفر لها المال الذي يوفر لها حرية القرار. أما ما نراه اليوم فهي شعارات واشكال لا روح فيها ولا علم ولا أمل سوي أن نبدأ في إصلاح التعليم حتي لا نفتخر بما ليس فينا، فالأحزاب ال 22 بلا جماهير وحتي أكثرها انتشارا وعمقا مثل حزب الوفد وحزب التجمع غير مؤثرين بالمرة في الشارع المصري. وأيضا هذه الأحزاب صورة من صور الاستبداد فهي لا تعرف الانتخابات الحقيقية أو آلية التغيير في السلطة الحزبية، وكل الأحزاب جمود وديكتاتورية ففقدت مصداقياتها وظلت صورة لما هو موجود في الشارع المصري من فوضي وتخبط وسلبية. فلنكف عن الصراخ في وجه بعضنا البعض ولنطالب جميعا بحل مشكلة التعليم وبضرورة تعليم الصغار في المرحلة الابتدائية ان التغيير عن الرأي والاستماع للرأي الآخر أمر مقدس؟!