يعد بنك "نورينتشوكين" الياباني واحدا من أعقد مؤسسات التمويل الدولية ويبلغ حجم أصوله نحو 62 تريليون ين "525 مليار دولار" وهو بذلك رابع أكبر بنك تجاري في اليابان.. وهذا البنك من جانب اَخر مؤسسة شبه حكومية نشأت عام 1923 لتحتكر التعامل في ودائع ملايين الفلاحين والصيادين وعمال الغابات. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن وضع هذا البنك الاحتكاري وبراعة إدارته قد أنقذاه من الأزمة المالية التي أحاطت بالجهاز المصرفي الياباني منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي.. وخلال هذه الأزمة كانت كبريات البنوك اليابانية تضطر إلي دفع مبالغ كبيرة للاقتراض من أسواق لندن ونيويورك تبلغ أكثر من 1% من قيمة كل قرض، أما بنك "نورينتشوكين" فقد كانت ملاءته المالية العالية تعفيه من هذه الغرامة وهو أمر جعله يقترض أحيانا لحساب البنوك اليابانية الأخري ويقوم بالنسبة لها بدور المقرض الأخير بالعملة الصعبة. أكثر من ذلك فإن توافر سيولة عالية لدي بنك "نورينتشوكين" كانت تمكنه من القيام بدور المقرض الأخير بدلا من البنك المركزي الياباني في السوق الداخلي.. ويقول يوشيو كوند المدير العام بالبنك إن كفاءة إدارة "نورينتشوكين" مكنته من أن يدفع سعر فائدة علي الودائع الريفية يبلغ 0.8% خلال سنوات أزمة السيولة وهو سعر يساوي 25 ضعف ما كانت تدفعه البنوك التجارية الأخري علي ما لديها من ودائع. والاَن تتغير الأوضاع ويواجه بنك "نورينتشوكين" أكبر تحد في تاريخه بسبب سياسة إصلاح القطاع الزراعي في اليابان.. وتفرض عملية الإصلاح علي صغار المزارعين تجميع أراضيهم الزراعية معا لكي يستفيدوا من كل أنواع الدعم المهمة التي تقدمها الدولة وصغار المزارعين المعنيين بسياسة التجميع الزراعي وهؤلاء هم زبائن بنك "نورينتشوكين" في الأساس. وقد انتهزت البنوك الأخري الفرصة لتقوم بإقراض المزارع المجمعة موجدة نوعا من المنافسة لبنك "نورينتشوكين" في القطاع الذي ظل يحتكر كل عملياته المصرفية لمدة تناهز ال 83 عاما متصلة. وتقول مجلة "الإيكونوميست" إن البنك بدأ يطور أعماله لكي يستفيد من سياسة التجميع الزراعي الجديدة. وتجدر الإشارة إلي أن بنك "نورينتشوكين" يشرف علي أنشطة نظام مصرفي تعاوني مكون من دائرتين وأن إجمالي ودائع صغار المزارعين في هذا النظام بلغت 86 تريليون ين "695 مليار دولار" في عام 500 . وحتي وقت قريبا كان بنك "نورينتشوكين" يحتكر ودائع المزارعين، وكانت البنوك الأخري تعتبر العمل المصرفي الزراعي محاطا بالمخاطر وقليل الربحية، أما الاَن فقد تغيرت الأمور وغيرت البنوك اليابانية الأخري رئها تبعا لتحول الظروف. لقد كان دور البنوك التعاونية التي يشرف عليها بنك "نورينتشوكين" يتراوح ما بين تلقي الودائع وتوزيع السلع الزراعية ومنح القروض للمزارعين.. وكانت هذه البنوك لديها أكبر شبكة من الفروع في مختلف أنحاء اليابان بعد شبكة فروع هيئة البريد اليابانية. ويقول كويو اوزيكي الخبير في PIMCO اليابان إن بنك "نورينتشوكين" برغم كونه بنكا ريفيا متواضعا صار نموذجا للنجاح تفتقده البنوك اليابانية الأخري، وأن ذلك كان ثمرة لمزيج من التفكير طويل الأمد وحسن التوقيت وبعض الحظ. ففي حقبة ثمانينيات القرن الماضي أثناء الفقاعة كانت البنوك اليابانية تقدم قروضها بضمان الممتلكات، أما "نورينتشوكين" فقد كان بنكا صغيرا نسبيا لذلك فإنه قدم قروضه للمشروعات المرتبطة بالزراعة واستثمر معظم أمواله في سندات الحكومة اليابانية التي ثبت أنها كانت استثمارا مربحا عندما حدثت أزمة السيولة في التسعينيات وغرقت البنوك الأخري في القروض المعدومة والمتعثرة. واليوم يستثمر بنك "نورينتشوكين" في الأوراق المالية الأمريكية ويمد بصره خارج قطاع الزراعة بعد أن زاحمته فيه البنوك التجارية الأخري ولم يعد هو بنكه الوحيد.