صاروخ عدالة إلهية يلاحق الرئيس جورج بوش في اليقظة والمنام.. اسمه: جاك ابراموف!.. فضيحته السياسية مثل قنبلة انشطارية، كلما انفجرت ازدادت تفجيرا، ليطارد شظاها حكام واشنطن بغير تمييز ولا حساب! شد زناد الفضيحة رسالة الكترونية أرسلها ابراموف إلي صديق صحفي، قبل أسبوعين، فيها يكشف عن أنه تربطه صداقة بالرئيس بوش وأنه التقاه في مقابلات ودية بالبيت الابيض أكثر من 12 مرة خلال الأعوام ال5 الماضية.. اضافة إلي لقاء خاص بدعوة من الرئيس، في مزرعته بكراوفود تكساس! وردا علي الإنكار المبدئي للرئيس ورجاله لهذه العلاقة المشبوهة يعترف ابراموف في رسالته الالكترونية لصديقه الصحفي: إن بوش يتمتع بذاكرة قوية.. ربما أفضل ذاكرة بين كل من أعرفهم من الساسة الأمريكيين.. وقد التقينا معا حوالي 12 مرة.. وتطرق الحوار بيننا إلي موضوعات كثيرة، من بينها شئوني العائلية وسيروة أولادي"! المخزي أن رجال الرئيس يواصلون العزف علي أوتارالإنكار.. يرددون بصوت نشاز: "إن الرئيس لا يتذكر مطلقا hadonrecollection أنه التقي ابراموف"! وماذا عن الصور المشتركة للطرفين، وهي دليل حي وبالألوان؟! أجابوا بتعام وغباء: "الصور لا معني لها ولا حجية اثبات.. فالرئيس يتم تصويره عشرات الألوف من الصور كل عام وسط أنصاره وزوار البيت الأبيض"! والصور التي فجرت فضيحة "ابراموف بوش" أصبحت الآن متاحة للعيان ولكل صاحب بصيرة وبيان.. وقراءة لواحدة منها تحقنك يقينا بأنها تشكل وحدها "صحيفة اتهام"!..فيها يبدو ابراموف وهو يسرق الصورة وكأنه "صاحب الفرح".. بينما أضحك الرئيس بوش في سلام باليد مع بول جارزا، أحد زبائن ابراموف الذين أغرقوا بتبرعاتهم السياسية الرئيس ومرشحي الحزب الجمهوري الحاكم.. وهو في الوقت نفسه الرئيس التنفيذي لقبيلة كيكابو تكساس وله مصالح مالية عند السلطات الفيدرالية!.. بينما وقف كارل روف لمستشار الأول للرئيس بوش مزنوق الاكتاف في الصورة وكأنه رهن اشارة من الرئيس لم يصدرها بعد!.. .. تم التقاط الصورة في 9 مايو 2001.. وسار بها إلي مجلة تايم بول جارزا، وليس ابراموف. وعندما راجعت مجلة تايم البيت الابيض حول الصورة، يناير الماضي، كان تعليق المتحدث الرسمي سكوت ماكليلان: "ليس تحت أيدينا سجل يفيد أن ابراموف كان حاضرا هذا اللقاء مع الرئيس"! وعندما أعيد عرض نفس الصورة مرة أخري هذا الاسبوع، رد ماكليلان مسفسطا ومكابرا: "مازال البيت الابيض لا يملك سجلا يؤكد حضور ابراموف هذا اللقاء الرئاسي".. لكنه اعترف بوجود براموف في الصورة.. وأضاف: "كما أكدنا سابقا، فإن هذه الصورة لا تتمتع بأي حجية اثبات في التحقيقات التي تجريها وزارة العدل الآن في فضيحة ابراموف"!.. ... آه.. هذا هو بيت القصيد، وموقع الحرج الرئاسي الذي يدفع البيت الابيض إلي غسل يديه مقدما من الفضيحة.. قبل أن يغرق فيها!! الكل مبسوط يتربح! الآن دعنا من صور الاتهام الملونة، فسوف تندلع وحدها كالحريق.. ولنتعامل مع أصل الداء: جماعات الضغط، وثقافة الضغط المأجور (lobbying culture) التي تعشش كورم سرطاني في شارع - K.STREET بقلب واشنطن.. ويتحرك أساطين الشارع كل طلعة شمس إلي الكونجرس في سيارات ليموزين فارهة، ليمارسوا ضغوطهم الرهيبة علي لجان المجلسين، ويعودوا آخر النهار لأصحاب المصالح بمكاسب مالية فلكية.. ولا ينسون أنفسهم بالطبع وهم يقتطعون أتعابهم مقدما، قبل أن يلتهم أصحاب المصلحة الكعكة.. أو ما بقي منها! هذه السمسرة السياسية، أو التمويل الشعبي السياسي، هي عقيدة راسخة (doctrine) تحكم نظام الحكم الأمريكي كله.. وهو في حقيقته القانونية رشا مقنعة من الممول السياسي، والناخب الذي الذي يتم استنزافه علي يديه، ليمول مرشحي الحكم الأمريكي علي كل مستوي من القاعدة للقمة.. من عمدة القرية والمدينة.. إلي حاكم الولاية.. إلي أعضاء الكونجرس بمجلسيه.. وحتي أكبر رأس في النظام الحاكم يدير شئون الأمة الأمريكية من داخل المبني رقم 1600 في بنسلفينيا أفينيو بواشنطن العاصمة!. والكل مبسوط يتربح، ويتمتع بسطوة الحكم والنيابة عن الأمة بأموال الناس.. وكلما عرض مشروع للاصلاح المالي لنظام الانتخاب في أمريكا، تهرب الأعضاء من النظر فيه ومجرد مناقشته! وجماعات الضغط ليس لها أي انتماء سياسي.. فهي تمول مرشحي الحزب الحاكم علي كل مستوي انتخابي، مثلما تمول نظراءهم من الحزب المعارض! وفي غمار دخان فضيحة ابراموف، ترتفع الأصوات الآن مطالبة بتغيير جذري لنظام التمويل السياسي.. لكن الجميع يشككون في امكان تحقيق اصلاح أساسي لكيانات جماعات الضغط وأنشطتها المالية والسياسية.. ويتنبأون بأن الاصلاح المنشود سوف ينتهي أمره إلي مجرد عمل من أعمال التجميل والعلاقات العامة!!