نافذة علي الغد نواصل هنا طرح أهم الأفكار التي يتناولها كتاب "مستقبل أمن الشرق الأوسط"، الصادر عن مؤسسة "راند" التابعة للبنتاجون الأمريكي. ونقدم هنا ما يورده الكتاب في نهاية الفصل الثاني، الذي خصصته محررة هذا الفصل نورا بن ساهيل، للحديث عن الاصلاح السياسي في الشرق الاوسط. ومن المفيد الإشارة الي أن هذا الكتاب "التقرير" صدر عام 2004، أي منذ اكثر من سنة، لكن التحليلات التي يتضمنها مازالت تحتفظ بأهميتها بالاضافة الي انها تعطينا فكرة عن الطريقة التي تفكر بها الادارة الامريكية في أوضاعنا، والنوايا التي تحتفظ بها لنا. ينتقل الكتاب هنا عن الحديث عن جهود الاصلاح السياسي في الدول ذات الاهمية الاستراتيجية الخاصة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط: مصر وإيران، والأردن، والكويت، والسعودية.. طبعا باعتبار ان جورج بوش قد تكفل شخصيا بعمليات الاصلاح السياسي في العراق التي يحتلها!! التزوير في الانتخابات المصرية عملية الاصلاح السياسي المصرية كانت من ناحية المبدأ اكثر منه عمليا، فالديمقراطية تتقدم من حيث الانتخابات التشريعية التي تتم كل خمس سنوات، غير ان هذه الانتخابات تتميز بالتدخل الحكومي في العملية الانتخابية يوجد في مصر 14 حزبا رسميا، لكن القليل منها فقط هو الذي له دلالة سياسية.. والثابت انه ليس بامكان اي حزب من احزاب المعارضة ولا بامكانها مجتمعة ان تتحدي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم. والليبرالية المصرية لها نفس الوجهين، فقد تزايد عدد المنظمات المدنية خلال العقدين الاخيرين، مع انكماش في نطاق حريتها واستقلالها بفضل السلطة القانونية للدولة التي تحد من نشاطها، وتحجم فرص اجتماعاتها العامة.. ويدلل الكتاب علي هذا بقوله ان جميع العاملين في وزارة الشئون الاجتماعية، والبالغ عددهم 60 ألفا يجري حسابهم باعتبارهم اعضاء في منظمات المجتمع المدني!! وتقول الكاتبة ان حرية الصحافة قد تقدمت غير ان وسائل الاعلام الكبري مازالت تعتمد علي الدولة في تمويلها، وفي صلاحية ما تعبر عنه. اما عن السلطة القضائية، فقد عمدت الحكومة الي نقل القضايا الحساسة الي المحاكم الامنية والعسكرية، حيث يتاح المزيد من التلاعب. باختصار، تقول المؤلفة، ان العديد من المؤشرات تفيد ان عملية التوجه نحو الليبرالية تمر بحالة من الفوضي، فالعديد من الحريات تتاح من الناحية النظرية، لكنها تكون محظورة عند التطبيق، بينما يتم انكار حريات اخري بشكل تام. الإخوان المسلمون علي أي حال، وبشكل عام، فإن الاصلاح السياسي في مصر كان دائما عملية تتم من أعلي الي اسفل، حيث يحض النظام علي الاصلاحات التي تخدم مصالحه الخاصة، بينما يفشل في تبني اي اجراءات قد تقود الي تقليص قبضته القوية علي السلطة. لقد بدا هذا واضحا في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما كسبت الحركة الاسلامية دعما متزايدا في جميع انحاء مصر. وانا هنا انقل بالنص عن الكتاب الذي ظهر عام 2004: "حركة الإخوان المسلمين هي من بين اقدم واكثر الجماعات الاسلامية خبرة في مصر، وقد استطاعت ان تبني قاعدة دعم سياسية ذات دلالة، رغم انها غير مسموح لها بتكوين حزب سياسي. وشعبيتها لا تأتي فقط من رسالتها الدينية، ولكن ايضا من تقديمها منافع وخدمات ملموسة لاعضائها، الامر الذي لا توفره لهم الدولة. هذه الدرجة العالية من الشعبية تجعل منها المعارضة الوحيدة ذات المصداقية للنظام الحاكم. وتفيد احدي الدراسات انه في ظل انتخابات تشريعية حرة وعادلة، من المحتمل ان يحظي الاخوان المسلمون باصوات اكثر من أي من الاحزاب الاخري، بما في ذلك الحزب الوطني الديمقراطي ومادامت الحكومة ستظل خائفة من فقدها للانتخابات، فمن المستبعد ان تتبني اي شكل حقيقي من اشكال تطوير الديمقراطية". الاعتداء علي الحقوق المدنية والحكومة المصرية وهي مستمرة في التمسك بقانون الطوارئ، الذي يتيح لها ان تقبض علي المشتبه فيهم وتعتقلهم لزمن طويل دون ابداء اي اسباب.. وتزعم الحكومة انها مضطرة للاخذ بهذا النظام لمواجهة الحركات الاصولية الاسلامية، مع العلم بان تلك التهديدات قد تمت السيطرة عليها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وتقول الكاتبة ان الاصرار علي هذا الوضع، يعني ان النظام يسعي الي منع المعارضة السلمية من التعبير عن نفسها ايضا. مع استمرار الظروف الراهنة، لا يحتمل ان تستمر الحكومة المصرية في عملية الاصلاح السياسي. القوي المحافظة وليست القيادات السياسية المصرية وحدها هي من يريد الاحتفاظ بسلطته، لكن توجد ايضا قوي اخري لها مصلحة قوية في بقاء النظام علي ما هو عليه. ولكن، اذا ما حدث تغيير مؤثر في الوضع السياسي "بأن تحدث ازمة اقتصادية كبري علي سبيل المثال، او ان يتضاعف احساس الشعب بالاحباط نتيجة القيود التي يفرضها النظام"، فقد ترغم الحكومة علي القيام باصلاح سياسي، كوسيلة للاحتفاظ بشرعيتها.. تقول الدراسة: