بداية يجب أن يرد الأمر لصاحبيه، فقد كانت هناك دراسة مبدئية طرفاها أحمد البردعي نفسه والدكتور بهاء الدين حلمي رئيس بنك مصر السابق.. وكانت الدراسة تشمل دمج ثلاث بنوك هي: "القاهرة والاسكندرية في بنك مصر" وقد نشرنا هذه الدراسة في الصفحة الأولي من "العالم اليوم" بتاريخ 6 مايو 2001 وقامت حول الأمر ضجة وأحدثت قلقا بين العاملين في البنوك الثلاثة الأمر الذي دعا إلي تأجيل الموضوع لبعض الوقت وإن كان الوقت قد تعدي خمس سنوات. ونرجع إلي حكايات عن البنكين، فإذا كنا نعرف أن بنك مصر هو أول بنك مصري برأسمال مصري أسسه طلعت حرب عام 1920 وفي ظل تيار وطني جارف أحدثته ثورة 1919 العظمي التي وحدت شعب مصر خلف قيادة الزعيم سعد زغلول.. حتي قيل أن سعدا هو الزعيم السياسي للثورة وأن طلعت حرب هو الاداة الاقتصادية المكمل لانجازات الثورة السياسية. وفي خضم انتفاضة وطنية جديدة عام 1951 حيث شهد هذا العام إلغاء معاهدة 1936 وشهد تعاظم الكفاح المسلح ضد المستعمر في منطقة القناة.. في هذا المناخ ولد بنك القاهرة وتولي تأسيسه فرسان ثلاثة: - عبدالحميد سراج الدين عضو مجلس النواب وشقيق فؤاد سراج الدين. - موريس دوس المحامي عضو مجلس النواب عن دائرة منقباد محافظة أسيوط. - عبداللطيف المردنلي مدير أعمال الأمير وحيد يسري والذي اتهم بعلاقة مع المقاومة. وكان بنك القاهرة هو البنك المصري الثاني الذي يقوم محاطا بعدد من البنوك الأجنبية وفروع البنوك الأجنبية غير أنه عرف كيف يعمل بين هذه الأشواك. وبعد قيام ثورة يوليو، وعقب تأميم قناة السويس عام 1956 وقعت البلاد تحت ضائقة حصاراقتصادي بشع لدرجة أن البنوك الأجنبية وفروع البنوك الأجنبية امتنعت عن تمويل استيراد مواد التموين الضرورية وحتي الأدوية توقفت الوكالات عن استيرادها مع أنه كان يمكن استيرادها وبيعها بأسعار مرتفعة وتحقيق أرباح خيالية غير أن "دول الحصار" أوقفت التمويل والتوريد أيضا. الأخطر من ذلك أن البنوك الأجنبية وفروع البنوك الأجنبية امتنعت عن "تمويل شراء محصول القطن من الفلاحين" الأمر الذي كاد يهدد بكارثة بالنسبة للسواد الأعظم في الريف وكان معتادا أن هذه البنوك تمول تجار الداخل لشراء القطن من الفلاحين وتوريده للمحالج وشركات تجارة الخارج ولكنها خضعت لتعليمات دول الحصار وامتنعت عن الشراء علما بأن موسم بيع القطن في الريف كان بمثابة مهرجان أفراح تتم فيه الزيجات وشراء الذهب بما يحدث رواجا اقتصاديا في الريف والمدينة. لم يكن أمام القيادة السياسية في ذلك الوقت من حيلة سوي البنكين المصريين "مصر - القاهرة" لجأت اليهما حيث توليا تمويل شراء المحصول بالكامل بقيمة 20 ليون جنيه "4 مليارات جنيه بسعر اليوم" وكانت المهمة الوطنية لقيادة البنكين والعاملين في البنكين وراء انقاذ الفلاحين في ذلك الوقت فضلا عن قيام البنكين بتمويل استيراد مواد التموين الضرورية لانقاذ معيشة المصريين. ويذكر أيضا أن وكيل شركة لألبان الاطفال وكان مصريا يقيم في الخارج بعد خضوعه للاصلاح الزراعي سارع شريف الكسان نجل إميل الكسان عضو مجلس الشيوخ إلي تحميل عدة طائرات تحمل احتياجات الاطفال من الألبان.. وكرر ذات العمل عقب نكسة 1967 بعد اتصال خاص به من جانب وزير الصحة د.عبده سلام وقتئذ وأرسل إليه عبدالناصر رسولا خاصا يشكره علي وطنيته في المرتين ورفض الرجل في المرتين أيضا أن يتقاضي الثمن. هذه بعض الذكريات التي أذكرها عن البنكين وفترة الحصار الاقتصادي وإن كانت ذكريات هذه المرحلة كثيرة الحكايات والتفاصيل التي تؤكد أصالة شعب وصبر شعب. وإن كانت هناك بقية كلام فإن الأحياء من قيادة البنكين يجب أن توجه لهم التحية.. موريس دوس مد الله في عمره ولعل تلك الذكري تدفيء عظامه في شيخوخته الهادئة.. محمد نبيل إبراهيم الشاب الذي كان يدير العملية من داخل بنك مصر حتي توصل لرئاسة مجلس إدارته.. تحية له في المناسبة.. وفي أيام المعاش.