بين عشية وضحاها تهاوت كل الأقنعة التي وضعها حكم حزب «العدالة والتنمية» الديني اليميني في تركيا علي وجهه ليقدم نفسه للعالم ولكل أنصار استعادة الخلافة كتجربة نجاح، إذ سرعان ما تبين للجميع أننا بصدد ديكتاتور جديد هو «أردوغان» الذي قال عنه أحد قادة حزبه «لقد تحول أردوغان إلي ديكتاتور، ولم تعد لدينا ديمقراطية داخل الحزب»… وقالت الجماهير ولا ديمقراطية في البلاد. وبعد أن وصلت المظاهرات إلي المحافظات الثمانية والأربعين في تركيا أخذ الفقراء والمهمشون يخرجون رافعين مطالبهم بعد أن تزايد الفقر رغم معدلات النمو الكبيرة التي هي مفخرة «اردوغان» وهو ما يعيد إلي الاذهان افتتان جمال مبارك الذي كان يعدنفسه لوراثة ابيه بشعار «سوف تتساقط الثمار ليلتقطها الفقراء» وحققت مصرفي ذلك الحين معدلات نمو عالية تجاوزت ال 7% وبقي الفقراء فقراء بل وازدادوا عددا كما اتسعت الاحياء الهامشية بينما ازداد الاغنياء غني وسفها عبر زواج الفساد والاستبداد. ورغم أن تركيا حققت معدل نمو عال وازدادت ثراء لكن هذا الثراء لم ينعكس علي حياة الفقراء وجري تركيز الثروة وانتشر الفساد. وكانت الخديعة الكبري التي تعرض لها الشعب التركي سببا جوهريا لاندلاع الانتفاضة ألا وهي إعلان اردوغان الذي وصل الي رئاسة الوزراء عبر حزب «العدالة والتنمية» عن التزامه بمبادئ العلمانية التي اطلقها «أتاتورك» وقال في هذا السياق إنه لا تناقص بين الإسلام والعلمانية وهو ما كان قد أكده سابقا مهاتير محمد قائد تجربة ماليزيا التحديثية والتنموية. ثم بالتدريج أخذ اردوغان ينقض علي أفكاره السابقة، ويعلن عن مشروعه لاستعادة الخلافة العثمانية ودفع تركيا في اتجاه الدولة الدينية بالتدريج ، وهو ما رفضه الشعب التركي وانتفض ضده بكل قوة، وعبر الانتفاضة تكشفت عورات الحكم وأحلامه الامبراطورية، وخرج الشعب التركي إلي الشوارع مدافعا عن الديمقراطية كمنظومة متكاملة من الحقوق والواجبات متضمنة العدالة الاجتماعية ومدنية الدولة وعلمانية مؤسساتها التي بناها الشعب التركي عبر السنين،و يسعي الحزب اليميني للانقضاض عليها، ومن المؤكد أنه لن ينجح مادامت الجماهير في الشارع ولن تغادره مهزومة وهي توجه رسالتها لكل ا لذين تباهوا بالنموذج التركي باعتباره «إسلاميا» في زعمهم.