بحث الرئيس بشار الأسد والملك عبد الله بن عبد العزيز خلال زيارة الثاني لسورية عديداً من القضايا التي تهم البلدين وتتعلق بشئون المنطقة بالدرجة الأولي، ومنها الوضع الداخلي العراقي وتشكيل الحكومة العراقية، والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والمستجدات فيها، والعلاقات بين البلدين وغيرها من الشئون، ولكن هذه الأمور لم تكن بيت القصيد في محادثاتهما ولم تحتل الدرجة الأولي. وكان لها دور ثان أو ثالث أو رابع، أما الأمر الرئيس والذي قد يكون هو السبب الأول والأخير لزيارة الملك فهو القرار الظني الذي سيصدر عن قاضي التحقيق في المحكمة الدولية خلال شهر سبتمبر أو أكتوبر المقبلين، وتأثيره علي الوضع الداخلي اللبناني وعلي استقرار هذا البلد وسلمه الأهلي. من المعلوم أن السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله أعلن منذ عدة أسابيع أكثر من مرة أن المحكمة الدولية مسيسة وتعمل بإحياءات إسرائيلية وفي ظروف خلقتها إسرائيل، ولذلك تسرب أن القرار الظني لقاضي التحقيق في هذه المحكمة سيتهم عناصر من حزب الله، وقال السيد حسن نصر الله إن سعد الحريري رئيس وزراء لبنان هو الذي أبلغه بذلك، واعتبر أن مثل هذا الاتهام لا يطاول أفراداً غير منضبطين فقط وإنما يلبّس التهمة لحزب الله وأنه لن يسمح بذلك، لأن النتائج ستكون خطيرة وربما تؤدي إلي حرب طائفية، ورأي بشكل غير مباشر ضرورة ألا يصدر القرار الظني نظراً لخطورته واستطراداً وكأنه يطالب بإلغاء المحكمة. رد تيار المستقبل اللبناني (حزب رئيس الوزراء) بأنه من المبكر الحكم علي القرار الظني قبل صدوره، وأن الحديث عن حرب طائفية أو عن نتائج خطرة للتقرير الظني هو حديث مبالغ فيه، وأن الحكمة تقتضي الانتظار حتي صدور القرار الظني لبناء علي الشيء مقتضاه. يبدو أن أمر المحكمة الدولية وقرارها الظني المحتمل ومحاكماتها اللاحقة والنتائج المترتبة علي ذلك في لبنان والمنطقة كانت مدار محادثات الملك والرئيس، وتري سورية في هذا المجال رؤية حزب الله، وتؤكد أن المحكمة مسيسة منذ تأسيسها وأن وراء هذا التسييس الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية وإسرائيل، وأنه لا يوثق بمحاكماتها ولا بأحكامها، وعليه ينبغي حل هذه المحكمة وإيجاد طريقة أخري أو محكمة أخري لتتوصل إلي الحقيقة في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ولعل هذا كان المطلب الرئيسي لسورية أمام الملك عبد الله والسعي الدؤوب منها لإقناعه بتبني موقفها، وبالتالي استمرار بناء العلاقات الطبيعية والمميزة بين سورية ولبنان وتجنيب لبنان من اضطرابات محتملة وتوتر وصراعات طائفية، يحتاج إلي عدة سنوات أخري لمعالجة نتائجها. أما الموقف السعودي فسواء كان مقتنعاً بالموقف السوري أم لا فيبدو أنه كان ينتظر ثمناً من سورية بدل حل المحكمة أو إلغائها، وهذا الثمن هو علي الأغلب أن تعيد سورية النظر بعلاقاتها بإيران، وتتخلي عن تأييد مواقفها ودعمها غير المحدود حسب الرأي السعودي، وتلغي التسهيلات الموضوعة أمام السياسة الإيرانية في دول المنطقة سواء من الناحية السياسية أو العسكرية أو الطائفية، بما فيها العلاقة الإيرانية بحزب الله، أي أن الموقف السعودي قد ينحو إلي مقايضة المحكمة بالعلاقة السورية الإيرانية، وهذا علي الغالب لن تقبله سورية، ولذلك تسرب أن الطرفين كانا مختلفين في بعض القضايا ولاشك أن هذه هي القضية الرئيسية التي اختلفا فيها. لقد كان التواصل قائماً خلال الزيارة بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وكان ابن الملك عبد الله هو حامل الرسائل بين دمشقوبيروت طوال يوم الزيارة وليلتها، ولذلك كانت زيارة رئيسي الدولتين إلي بيروت زيارة بروتوكولية ليس أكثر، وهي رسالة لجميع القوي اللبنانية تقول إن سورية والسعودية وهما من أكثر الدول نفوذاً في لبنان تعارضان أي توتر بين الأطراف اللبنانية وتريدان حل مشاكل لبنان بالحوار وبالطرق السلمية، ولذلك من المتوقع ان تستمر المحادثات بين الطرفين السوري والسعودي بالطرق الدبلوماسية سعياً وراء الوصول إلي اتفاق بينهما حول هذه المسألة الرئيسية قبل صدور القرار الظني، أما بقية الأمور فقد كان البحث فيها تحصيل حاصل والمواقف متقاربة.