حالة من «الحمي» اصابت ممثلي الإخوان في «التأسيسية» حتي ينتهوا من وضع “الدستور” الذي يواجه حالة من الرفض من قبل قطاعات واسعة في المجتمع، وسط قلق متزايد مما يدور داخل الجمعية ومخاوف من انتاج دستور معاد للحريات والحقوق بسبب سيطرة من فكر الأغلبية داخل الجمعية، في حين قررت محكمة القضاء الإداري اكثر من مرة تأجيل الحكم في الدعاوي المرفوعة بشأن بطلان الجمعية التأسيسية الثانية لما بها من عوار قانوني ودستوري مماثل للجمعية الأولي. في حالة حكم المحكمة ببطلان الجمعية التأسيسية الثانية، فعلي د. محمد مرسي إعادة تشكيلها مرة اخري، طبقاً للإعلان الدستوري المكمل، لإحداث التوازن المعبر بشكل حقيقي عن كل القوي المجتمعية. الخبراء القانونيون أكدوا ان أداء د. محمد مرسي منذ بداية حكمه لا يبشر الي ان هناك نية بإعادة تشكيل جمعية دستور متوازنة بسبب استمراره علي نهج سياسة الإخوان الإقصائية لكل مخالف لهم. تهديد مؤسف كان رئيس الجمعية التأسيسية الثانية لوضع الدستور المستشار “حسام الغرياني”، قد هدد النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، بأن المتظاهرين “الإخوان” سيقتحمون مكتبه ويقومون بالاعتداء عليه علي نحو ما جري مع المرحوم المستشار عبد الرزاق السنهوري رئيس مجلس الدولة الأسبق، حالة رفض عبد المجيد محمود ترك منصبه، في الوقت الذي اقترح فيه الغرياني بتولي النائب العام منصب سفير الفاتيكان، مما يعد مخالفة وتهديدا لهيبة القضاء وهي الاولي من نوعها في القضاء المصري، خاصة ان كانت صادرة ممن في منصب رئاسة جمعية تضع دستورا للبلاد! وهو ما وصفه د. كمال عبد الفتاح، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس، بأن المستشار الغرياني “ينسف” تاريخه، وسوف يذكره التاريخ بالسوء وليس بطريقة مشرفة. ووصفت د. نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، تهديد الغرياني بال”مؤسف” خاصة وانه رئيس جمعية وضع دستور للبلاد. تشكيل الرئيس من المتوقع النطق بالحكم في الدعوي قبل عرض مشروع الدستور علي الاستفتاء، بحسب رأي د. رأفت فودة أستاذ القانون العام، بجامعة القاهرة، مشيراً إلي ان الامر يخضع لتقدير القاضي لأنه “سيد الموقف”. “فودة” أكد انه علي الرغم من ان الجمعية التأسيسية الثانية يشوبها البطلان في تشكيلها، فلماذا الدعاوي المتعلقة بالجمعية التأسيسية الأولي انجزت فوراً والثانية لم تلق نفس الحظ من المعاملة؟ وأشار فودة إلي ان الإعلان الدستوري المكمل أعطي الصلاحية لرئيس الجمهورية إعادة تشكيل الجمعية مرة أخري حالة بطلانها، علي ان يراعي دستورياً تحقيق التوزان في التشكيل بما يتوافق وهوية المجتمع المصري، وبالتالي وجب علي “مرسي” ان يقوم بتشكيل الجمعية واحترام الضوابط الواردة في نص الإعلان وقراره بالتشكيل، حينئذ سيكون القرار إدارياً جائز الطعن عليه امام القضاء. فرصة الشعب اما إذا تم الانتهاء من الدستور، ثم صدر حكم بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية الثانية، ستبطل الجمعية وتختفي من الوجود، بحسب تحليل د. رأفت فودة، واذا لم تصادف الجمعية استفتاءً شعبياً ستكون باطلة ايضا، ويمكن الاستفادة منها من قبل اللجنة التي ستكلف من رئيس الجمهورية بوضع الدستور، ولكنها مجرد مستندات لا قيمة إلزامية لما ورد بها. وفي حالة الاستفتاء علي الدستور قبل النطق بحكم البطلان فسيكون دستوراً صحيحاً واجب النفاذ احتراما لإرادة الشعب. وطالب فودة بعدم الاستعجال وترك الفرصة للشعب بما لا يقل عن “ثلاثة أشهر” قبل الاستفتاء عليه، لأنه دستور جديد كامل وليس تعديلا علي بنود معينة، محذراً؛ إن لم تترك الفرصة للشعب فلن يثق علي الاطلاق في نوايا الجمعية التأسيسية مما سيشكل أمراُ خطيرا لانه سيعتقد ان هناك امراً يراد إمراره علي عجل، وهذا لا يتفق وطبيعة الدستور. عوار متكرر د. طارق خضر أستاذ القانون الدستوري، ورئيس قسم القانون بكلية الشرطة، توقع احتمالية حجز الدعوي للحكم، الي جلسة 23 اكتوبر. مشيراً الي ان محكمة القضاء الإداري بحكمها الصادر في 11 ابريل 2012 بشأن وقف تنفيذ قرار تشكيل الجمعية الأولي اوضح صراحة؛ ان الجمعية التأسيسية الثانية يلزم ألا يكون فيها اي من اعضاء مجلسي الشعب او الشوري، اما ما حدث بعد صدور قرار تشكيلها، وجود بين اعضائها عدد من اعضاء مجلسي الشعب والشوري، اثناء انعقاد المجلسين، وقت صدور قرار التشكيل. أيضا اوضح الحكم بحل الجمعية الاولي بإلزام الجمعية الثانية أن يكون المئة عضو من خارج البرلمان، مع ضرورة تمثيل اساتذة القانون الدستوري وجميع اطياف المجتمع تمثيلا صحيحاً وهو ما لم يتم أيضا. إلا انه لا يمكن الانتهاء بأي حال من الاحوال من وضع الدستور بصيغته النهائية قبل منتصف نوفمبر القادم، وبعد 15 يوماً قبل الاستفتاء عليه. ويري خضر انها مدة قليلة كي يلم فيها المواطن بمواد الدستور بشكل كامل، مطالباً بألا تقل الفترة المتاحة لمعرفة الدستور عن شهرين، ولابد ان تعلم كل طبقات الشعب من المثقفين وغيرهم بالدستور، وعلي المراكز الثقافية والشبابية والرياضية والأجهزة الاعلامية لإعلان مشروع اعرف دستورك لكل المحافظات والقري المصرية بطريقة توعوية واسعة. اختلاف نسبي أشار رئيس قسم القانون باكاديمية الشرطة، إلي أن حال بطلان التأسيسية الحالية، سيقوم رئيس الجمهورية، بتشكيل الجمعية التأسيسية الثالثة لوضع الدستور، طبقا للإعلان الدستوري، بعد التشاور مع كل القوي الوطنية، بوضع مشروع خلال ثلاثة أشهر، بعدها يعرض علي الشعب للاستفتاء عليه، بعد شهر من تاريخ وضع المشروع. أكد د. خضر؛ من غير المتوقع ان يقوم الرئيس بتشكيلها مرة اخري بنفس تشكيلها الحالي، لان الملاءمات القانونية والمواءمات الإدارية بإعتباره رئيساً للجمهورية ُتلزمه ألا يشكلها بنفس تشكيلها الحالي، لكن من قبل المشروعية له أحقية بتشكيلها كما هي عليه الآن. السلطة القضائية الحكمة تقتضي مسلك طريق مختلف حالة بطلان التأسيسية الثانية، والبدء في التأسيسية الثالثة، بحسب قول د. نورهان الشيخ، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ولفتت الي ضرورة توافر قدر من التأني والتروي، ووضع معايير واضحة في تشكيلها. ورأت نورهان انه حالة إسناد تشكيل الجمعية الثالثة للسلطة القضائية، ويكون من الأفضل ان تجمع ما بين القضائيين والقانويين والسياسيين. عدم التزام أشارت د. نورهان الشيخ إلي ان سلوك “مرسي” حتي الأن لا ينُم علي انه سيتخذ اتجاه متوازن اذا قام بتشكيل الجمعية مرة ثالثة، فهناك تحيز واضح منذ بدء فترة رئاسته، لتيارات الإسلام السياسي بشكل عام، وبالتالي من غير المتوقع ان تشكيله سيكون متوازناً، وكل الشواهد تؤكد هذا، أضافت نورهان ان الرغبة الجامحة في الإقصاء لدي أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للاستئثار بالسلطة، ولايمكن معها السماح بإشراك آخرين في تشكيل الجمعية مرة ثالثة إلا إذا “اُجريت” علي هذا، من قبل ضغط من القوي السياسية والقوي الشعبية. ولفتت الي ان جماعة الإخوان منذ تأسيسها وحتي الان التزامها بالقانون التزاما “ضعيفا”، فالقانون لديهم “القوة” والتاريخ شاهد علي ذلك. ومنذ احداث 25 يناير حتي الان اتضح ان الجماعة لن يردعها إلا “القوة” ولا شيء اخر. ارتباك الرئيس د. كمال عبد الفتاح، أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس، يري ان من المستحسن ان يكون القضاء “مُنجزا” ليس التأجيل أكثر من مرة، في القضايا التي تهم الرأي العام وينتظرها ملايين من المصريين وغير المصريين، خاصة اذا كانت الأسباب في بطلان التأسيسية الثانية نفسها التي كانت موجودة في الأولي. مؤكدا ان الجمعية التأسيسية الثالثة حالة تشكيلها من جانب رئيس الجمهورية، قابلة للطعن ايضا اذا كانت كسابقيها. ولفت أستاذ القانون الدستوري بجامعة عين شمس، ان د. محمد مرسي يعاني حالة شديدة من “الارتباك” في إدارة الدولة، والدليل علي ذلك ما صدر عنه وتدخله في أعمال القضاء بعد أزمة النائب العام؟ وحذر عبد الفتاح، ان مصر الان تدور داخل حلقة مفرغة، ولن يكون هناك إنتاج في أي شيء جديد اذا استمر الوضع بهذا الشكل. الرأي العام د. عبد الفتاح، طالب د. محمد مرسي بالتخلص من كونه أسير تيار واحد، وان يعمل لمصلحة مصر كلها. خاصة ان الرأي العام المصري أصبح اقوي مما قبل ومن حقه ان يرفض ما يخالف ثقافته، ولا بد من الأخذ في الاعتبار ان المصريين قبل 25 يناير غير الان، خاصة ان مرسي دخل مرحلة العد التنازلي من انه سقوط شعبيته، في الوقت الذي كون من حوله حجابا حاجزا بينه وبين الشعب، وهو ما وقع فيه مبارك وانتهي بسقوطه.