أجمع العلماء عبر الصالون الثقافي الخامس حول ¢تنقيح التراث وتيسيره وإعادة قراءته¢ الذي عقد بمقر المجلس الأعلي للشئون الإسلامية علي أهمية التراث الإسلامي وكونه دليل مصداقية الأمة.. وقصروا التجديد علي إعادة القراءة والفهم والتفسير والتحقيق بعيداً عن القرآن والسنة النبوية ومن خلال العلماء المتخصصين.. كما رفض الحضور الإساءة لعلماء وأعلام الأمة مثل الإمام البخاري وغيره.. وأكدوا أن تراثنا الإسلامي محفوظ وأن مصر بأزهرها الوسطي وعلمائها قادرة علي قيادة الفكر والعالم الإسلامي. أضاف: أننا نؤمن بسنة تطور الزمان وبأهمية قضية إعادة قراءة كتب التراث أو تنقيحها أو تيسيرها ولاسيما القضايا التي ناسبت عصرها وزمانها ومكانها فيما يقبل الاجتهاد وربما يحتاج بعضها لقراءة جديدة أو لإعادة النظر وفق تغير الظروف والأحوال والزمان والمكان. أوضح أنه لا يمكن لعاقل أن يقبل المساس من القرآن الكريم أو من السنة النبوية المطهرة مضيفاً أن تحقيق كتب التراث الإسلامية لا يمكن لغير المتخصصين أن يقوموا به. أشار جمعة إلي أن الهدف من الصالون الثقافي ومن حضور هذه الكوكبة من العلماء هو فتح الملفات دون حساسية أو تحفظ وخاصة أن فضيلة شيخ الأزهر يشكل بنفسه لجان إصلاح المناهج حتي أننا عندما أطلقنا عليها لجنة تطوير التعليم أصر علي إعادة التسمية لإصلاح التعليم بدلاً من كلمة التطوير حرصاً منه علي الدقة.. وانتهت تلك اللجان من تطوير مناهج الإعدادية وهي الان بصدد البدء في مناهج الثانوية وبعدها الجامعة إيماناً منا بسنة تطور الزمن والحاجة إلي قراءة جديدة دون تحفظ وكل إنسان يؤخذ منه ويرد إلا النبي صلي الله عليه وسلم فيما ثبت عنه. مشيراً إلي أن الإصلاح الأكثر تأثيراً ذلك الإصلاح الذي ينبع وينطلق من الداخل ومن الذات. فتنة شعواء وصف الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء- قضية تنقيح التراث وتيسيره وإعادة قراءته بأنها قضية الساعة. موضحا أن أمة بلا تراث.. هي أمة لا مصداقية لها ولا أثر فالتراث له أهميته ومصداقيته ولا يمكن بحال من الأحوال مهما قيل أن ندع أو ندير ظهورنا لتراثنا. أضاف أن التراث الإسلامي بصفة خاصة هو أشرف وأوثق تراث في الوجود بل هو ثقافتنا التي درجنا عليه وعاشت عليه الأمة قرونا ولم يعبها أحد. لكن الواقع يحتاج إلي تسليط الأضواء علي المستجدات والمتغيرات وما قد يكون في بعض كتب التراث من أشياء وليس معني هذا الرفض الكامل للتراث. أشار إلي أن كتب التراث من الأهمية ومن عظم ما جعل شوامخ الأئمة إلي أن يتلقفوها وأن يحافظوا عليها وعلي سبيل المثال كتاب إحياء علوم الدين للإمام الغزالي به أحاديث ضعيفة ولكن لم يرفضها المحققون أو علماء السنة. حذر هاشم من التعجل في رفض أو إخراج شيء قائلاً أن الأحكام تختلف من عام إلي عام وقد يحكم علي الحديث بالراوي وما من امام إلا وقيل فيه أو أنتقد بدافع من الحقد حيناً أو بدافع التنافس حيناً آخر فمن أجل ذلك كان علينا أن نتريث ونحن نتكلم عن التراث. أوضح أن الإمام أحمد بن حنبل صاحب المذهب الفقهي المعروف لما سئل وقيل له رويت في مسندك أحاديث ضعيفة وأنت تعلم أنها ضعيفة. أجاب نعم أضفتها مخافة أن تثبت صحتها بالطرق الأخري فأكون قد أهدرت حديثاً من أحاديث رسول الله ¢ص¢ ونحن نجد اليوم من يحسن الحديث ويضعفه لأنه لا يتماشي مع عقله. أضاف نحن في حاجة إلي التجديد وهذا أمر نبوي من الرسول ¢ص¢ حين قال: ¢إن الله يبعث علي رأس كل مائة عام من يصلح لهذه الأمة أمر دينها¢ وهو أن يبعث من درس وما كادت أن تطويه الأزمان فيأتي من يقوم بإحيائه ولذلك سُمي إحياء علوم الدين ومن أجل ذلك ننظر إلي تراثنا هذه النظرة الحثيثة لا نطويه ولا ندير إليه ظهورنا ولكن نحقق ولا نتعجل الحكم في أمر ولكن نضعه في نطاقه السليم ومن أجل ذلك كان التحقيق وتخريج الأحاديث وكانت العلوم الإسلامية فخر العقل الإنساني وليس العربي والإسلامي فقط وعندما نظر العالم إلي المقاييس التي وزنوا بها كل خبر جاءهم عن رسول الله ¢ص¢ بميزان النقل العلمي المتين الذي لا يعرف له في الدنيا مثيلاً وتوقف المنهج التاريخي الأوروبي وتعثر أمام منهج الدارسين وهم يدرسون السند والمتن والنقل الداخلي والخارجي ولا يأتون بخبر إلا بعد تمحيص وتدقيق. اتهم د. هاشم البعض بمحاولة الإساءة للإمام البخاري وإهالة التراب عليه موضحاً أن التراث يتعرض لهجمة شرسة يشنها أشخاص موتورون وبعض الجمعيات والمؤسسات العميلة والمأجورة. محذراً الدولة من فتنة شعواء ستشتعل بسبب هؤلاء المغرضين. قال: أن صحيح البخاري هو الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول وأجمعوا علي أنه أصح كتاب بعد كتاب الله ومثل هذا الكتاب نقف أمامه لنفسره ونشرحه ما شئنا ولكن لا نحذف منه حرفاً فهو الكتاب الذي عرض علي الآلاف من العلماء فلم يملك أحدهم إلا الثناء عليه وقد عشت معه 17 عاماً كاملاً وأخرجته في 16 مجلداً وكل مجلد 600 صفحة وأشهد الله أنني لم أجد فيه حديثاً واحداً خطأ. أكد في نهاية حديثه أنهم لن ينالوا مأربهم وغرضهم وأن تراثنا الإسلامي محفوظ ولكن علينا أن ننظر في بعض الأمور ونتكلم ونبين ونوضح ما لبس علي البعض ولا مانع من تحقيق بعض الكتب التي تحتاج إلي ذلك. التجديد والإصلاح ومن جانبه فرق الدكتور علي جمعة -مفتي الديار المصرية السابق وعضو هيئة كبار العلماء- بين التجديد والإصلاح وأن هناك جهات أربع للتغير وهي الزمان والمكان والاشخاص والأحوال وتستوجب منا أن نحدد الامر مع الاعتراف بفضل السابقين والوقوف عندهم موقف التلميذ من أستاذه إلا أننا سنتجاوز ما ذهبوا إليه من اختيارات إلي اختيارات جديدة لتحقيق المصالح الشرعية ومراعاة المآلات نحو المقاصد التي أرادها الله من حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال ونحن نري أن أهل كل زمن قاموا بواجبهم في وقتهم ومن الضروري عدم الانشغال بنقدهم بل الانشغال بطريقة تفكيرهم والأخذ بمناهجهم حتي ولو تجاوزنا مسائلهم لأنها في غاية الإبهار وهدمها في حقيقة الأمر هدم للأمة ولابد من هذا التراكم العلمي. أضاف: أن الفارق بيننا وبين الغرب أنهم أهتموا بتراثهم وكتبهم المؤثرة في حركة الفكر والتراكم المعرفي ونشأت جامعة في امريكا من اجل دراسة هذا التراث والكتب العظيمة التي تبدأ منذ أرسطو والعاقل لا يهدم تراثه والفارق بيننا بينهم أن تراثنا قد بني علي ثلاث هم عبادة الله وعمارة الدنيا والأخلاق بينما هم بنوا علومهم علي عمارة الدنيا فقط ونَحوّ عبادة الله كما جعلوا الخلاق نسبية. أشار د. جمعة إلي أن كتب التراث عددها مليون كتاب. بعد تجنيب المكرر منها وهي كل ما وصلنا من التراث الإسلامي والذي يراد قراءته مُنحين بطيعة الحال القرآن والسنة لقدسيتهما. وهذا النتاج لم يحدث مثيله لأمة قط. أمة لديها سند وليس لأمة اختصت بالسند غير أمتنا وقد وجدنا أن المليون كتاب تتضمن نحو 350 عنواناً وببعض هذا التراث نقاط صغيرة تناسب ثقافة عصره وسقفه المعرفي فهل نحذف هذا لتراث كله من أجل هذا. إن حذف أجزاء من كتب التراث يعني ضياع المذاهب الفقهية لفقدان أصول الاجتهاد وطرق التفكير لدي السابقين. كما سيتهمنا اللاحقون بالخذلان وتزييف وتزوير التراث. وتضييع حضارة بذل لها الكثير. أختتم حديثه مؤكداً علي ضرورة أن نقوم بواجبنا وأن نأخذ بمناهج العلماء السابقين وبمعايير الفهم وأن نتجاوز عن السفهاء المساكين مطالباً علماء الدين بالاعتزاز بالنفس والعمل دون النظر إلي الهجوم الشرس غير المبرر الذي هدفه فقط الهدم منوهاً أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة. التحقيق لا الحذف. وطالب الدكتور محمد محمود هاشم -نائب رئيس جامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية- بتحقيق التراث وليس حذفه مؤكداً أن التحقيق يختلف من زمان إلي زمان ومن مكان إلي مكان وكذا الاشخاص واضيف إليها الظروف التي تدفع إلي أراء بعينها في ظل الظرف الراهن وهو ما قد يتنهي في وقت لاحق مشدداً علي وجوب الحفاظ علي التراث بشرط أن نحقق منه ما يحتاج بعيداً عن القرآن والسنة. أضاف أن علي الاقسام العلمية في كليات الشريعة وأصول الدين واللغة العربية والدراسات الإسلامية أن تُعني وتضع خطة علمية لتحقيق الكتب التراثية والتي تحتاج إلي تحقيق عبر الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراه علي أن تطبعها الجامعة في وقت لاحق للحفاظ علي التراث.