تمر مصر الجديدة ودول الربيع الإسلامي والعربي بحالة تهييج وتحريش داخلي. وليس هذا إلا خدمة واسعة النطاق للعدو الصهيوني الخارجي الذي يمسك بأطراف الصراع من خلال خدامه من الأمريكان والأوروبيين والروس والعملاء و... فالمعارك داخل الوطن الواحد ليس فيه منتصر ومنهزم. بل الكل فيه منهزم. والأصل في المسلم أن يسعي جهده لتحقيق السلام والأمن والأمان الاجتماعي لكل إنسان مسالم ولو كان غير مسلم. أما مع المسلم فللحديث الذي رواه البخاري بسنده عن عبدالله بن عمرو أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". وأما غير المسلم المسالم فلقوله تعالي: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" الممتحنة: 8 وقوله تعالي: "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" النساء: من الآية 90 ويكفي أن اسم الإسلام مشتق من السلم والسلام. والإيمان من الأمن والأمان. وأعلي الدرجات في الإسلام هو الإحسان ومعناه مع الله تعالي أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك. والإحسان مع الناس أن تقابل الخير بأحسن منه والشر بالخير. لقوله تعالي: "إدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم" فصلت: من الآية 34 و35 وعليه فالأصل في كل مسلم أن يسهم بقوة في صناعة السلم الاجتماعي. وقد بدأنا بعد الثورة أول ندوات مركز "بناء لصناعة العلماء" بندوة كبيرة في قاعة المؤتمرات الكبري بالأزهر الشريف يوم 1/2/2012م بعنوان "دور العلماء والدعاة في صناعة السلم الاجتماعي" وقد حضرها فوق الألفين من العلماء والدعاة وقد كانت المحاور ثلاثة عن دور العلماء والدعاة في صناعة السلم الاجتماعي بين الإسلاميين أولا. ثم مع العلمانيين ثانيا ثم مع المسيحيين ثالثا. وقد حاضر فيها أقطاب العلم والدعوة منهم أ.د.يوسف القرضاوي وأ.د.عمر عبدالكافي. وأ.د.عدنان زرزور. ومازلنا نحتاج في كل بلد عربي وإسلامي من يلح علي هذه المعاني في مواجهة حملة التهييج والتحريش التي تنفق عليها القوي المعادية للإسلام والمسلمين والعرب والمستعربين ليس مئات الملايين بل مئات المليارات لتفخيخ الصراع وإنهاك البلاد وإغراق العباد في شلالات الدم. وهؤلاء جميعا يجب أن يذكروا مرة ومرات. في حملة واسعة النطاق إلي الشعب المصري والعربي والإسلامي يقوم بها العلماء والدعاة والمفكرون والصحفيون والممثلون والمغنون والمنشدون ويجب أن نبدأ حملة قوية وقائية سريعة وعاجلة تحمل العناوين: "إني أنا أخوك" و"يدا واحدة ضد الصهاينة المحتلين" و"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده". و"الراحمون يرحمهم الرحمن". و"الفتنة نائمة معلون من أيقظها" و"السلم بيننا فرض عين" و"حرب الصهاينة فرض عين" ويجب أن نبين للجميع أنه لا يجوز أن نعكس سلاحنا نحو صدورنا وأن نرتد علي أعقابنا "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران" الأنعام: من الآية 71 وهؤلاء يجب أن يبقي لهم "أصحاب يدعونه إلي الهدي ائتنا" الأنعام: من الآية 71 حتي لا نكون كما قالت العرب: "إحدي يداي لطمتني" أو كما قال طرفة بن العبد: وظلم ذوي القربي أشد مضاضة علي المرء من وقع الحسام المهند ولكن عندما يتحول الشقيق إلي صفيق والصديق الحميم إلي عدو لدود. ويجيش الشعب ضد بعضه. ويحرض الجار علي جاره. وتخرج السيوف من أغمادها لتغمز- حادة شديدة- في صدور الابن والأخ والعم والخال وذوي القربي والأرحام والجيران فهناك الجديد من الأحكام. ولا يجوز أن يعامل اللئام بما يعامل به الكرام لأن لكل حالة حكمها وقد كره الإمام مالك - في زمانه- أن يتخذ الإنسان في بيته كلب حراسة إلا لضرورة ولما جاء زمان السطو والسلب والنهب تغير رأي علماء المالكية إلي جواز ذلك. ولما سئل أحد كبار علماء المالكية: لماذا غيرتم الفتوي وعدلتم عن مذهب مالك؟! فقال الإمام المالكي الهمام الواعي بتغير ظروف الزمان والمكان: لو عاش مالك إلي زمانكم لاتخذ أسدا ضاريا وقال العلماء يستحدث للناس من الأقضية علي قدر ما يستحدثون من المفاسد. وأحكام البغاة في الإسلام لا تخفي علي مبتديء في الفقة الإسلامي. وعليه فيجب أن نبذل قصاري جهدنا في منع الشر قبل وقوعه. والتضييق علي الشر قبل اتساعه. وأن نبدأ حكومة وأحزابا وجماعات وأفراداً هذه الحملة القوية في الدعوة إلي السلام الاجتماعي وتوجيه سلاحنا نحو العدو الخارجي الحقيقي الصهيوني المعتدي فإن بقي المرء مدفوعا بالشر والبغي أو مدفوعا له من الصهاينة وعملائهم من بعض دول الخليج الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون وتيقنا أن هؤلاء يدفعون البلاد إلي فتنة لا يعلم مداها إلا الله فيوجب القرآن هنا ألا ننتظر حتي تقع الفتنة فندرك ذيلها فنقطعه بل نخدم رأسها فندفنها لقوله تعالي: "وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم علي سواء إن الله لا يحب الخائنين" الأنفال: 58 والحزم هنا أوجب من العفو. ولا يجوز الدخول في فتنة التكفير لأحد لأننا ندفع الصائل المعتدي للضرورة ولو كان مسلما. وتكفينا آية الحجرات في قوله تعالي: "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا إن الله يحب المقسطين" الحجرات: 9 ومع حدوث القتل دفعا للبغي يجب أن يعود القوم إلي صناعة السلم الاجتماعي بعد نزوة الشر وهي طارئة لنعود إلي فطرة الخير وهي دائمة وفي هذا يقول تعالي: "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" الحجرات: .10 وننصح الرئاسة والقيادة في كل بلد عربي بأن يراجعوا ما قاله الماوردي بأن: "من واجبات الحاكم أن ينفذ الأحكام بين المتشاجرين. وأن يقطع الخصام بين المتنازعين. حتي تعم النصفة فلا يعتدي ظالم. ولا يضعف مظلوم. وأن يحمي البيضة. ويذب عن الحريم حتي يتصرف الناس في المعايش. وينتشروا في الأسفار آمنين من تغرير بنفس أو مال. وأن يقيم الحقوق لتصان محارم الله عن الانتهاك وتحفظ حقوق العباد من إتلاف واستهلاك" فإن لم يفعل الحكام والقادة فلا مناص من أن يحمي كل إنسان عرضه وماله بيده للحديث الذي رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلني قال: قاتله. قال: أرأيت إن قتلني. قال: فأنت شهيد قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار. وعليه فكن صانع السلام فريضة وقاعدة. فإن لم يستجب أخوك فلا مناس من دفعه بما يمنع من الاعتداء حقا واستثناء. يا قوم سارعوا نحو صناعة السلام الاجتماعي فريضة فإن أضررتم إلي رد الباغي فافعلوه ضرورة ووفروا سلاحكم يا سادة لتحرير الأسري والأقصي والقدس وفلسطين.