بالرغم من أن استقراء موجزاً للمشهد السياسي وتحولاته في مصر يكشف أن التيار الإسلامي بكافة فصائله يعيش مرحلة جديدة يمكن وصفها بالاعتدال والتصالح مع الواقع السياسي والمشاركة والتفاعل مع القوي السياسية الأخري. إلا أن تصاعد أزمة الانتخابات الرئاسية وسخونتها وتزايد لغة التحريض والتلويح بالكفاح المسلح والعنف أثار التخوفات والتوجسات من احتمالية وجود سيناريوهات لتوريط هذا التيار في مستنقع العنف والارهاب والدم مرة أخري. ويمكن هنا تسجيل عدد من الشواهد والحوادث المهمة التي بدأت خلال الأسابيع القليلة الماضية بإطلاق نار ومولوتوف من قبل مجهولين في نهاية المظاهرة التي نظمها دعاة دعم عمر سليمان بالعباسية. وإعلان الأخير عن تلقيه تهديدات بالقتل واتهامه التيار الإسلامي بالضلوع في هذا التهديد. ترافق هذا مع ظهور صفحات علي مواقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك" تدعو إلي الكفاح المسلح وتنسب إلي الإسلاميين. تبعها مباشرة تعمد بعض الكتاب والإعلاميين الحديث عن حقيقة الجناح المسلح لجماعة الإخوان المسلمين. ومع تصاعد أزمة استبعاد الشيخ حازم أبوإسماعيل من الانتخابات الرئاسية بدأت تنتشر مقولات عن المبايعة علي الدم والشهادة ونسبت إليه الصحف أنه قال: سأقاتل وليكن ما يكون. وسلطت الأضواء علي اخبار ثبت عدم صحتها عن محاصرة انصاره للجنة العليا للانتخابات ووجود اشتباكات وصدامات مع الأمن المكلف بحراستها. كما نسب إلي المهندس خيرت الشاطر. القيادي الإخواني. إنه دعا إلي الكفاح المسلح في حال فوز الفلول بالرئاسة. واضطر بعدها الشاطر إلي الخروج ونفي التصريحات التي نسبت إليه. وأكد أنه لم ولن يدعو إلي الكفاح المسلح. إلا إذا تعرضت مصر لعدوان خارجي. مبينا أن منهج جماعة الإخوان كان ومازال هو التغيير السلمي. وأن الجماعة ستجاهد قانونا وسياسيا. كجزء من الشعب لضمان نقل السلطة وتحقيق النهضة الواقع أن كل هذه التشابكات تثير التساؤلات عن الذين يريدون فتح أبواب الشرور علي مصراعيها في مصر. وحقيقة المستفيد من اقحام العنف الدموي علي المشهد السياسي ووقف العملية السياسية وإعادتنا إلي المربع صفر؟ رغبة الاستحواذ شن حزب التجمع هجوما حادا علي التيار الإسلامي واتهمه بالسعي لإقامة ديكتاتورية دينية دموية بالعنف وإعلان الكفاح المسلح وإطلاق شلالات الدم. وأعلن الدكتور رفعت السعيد. رئيس الحزب. أن الاحزاب الإسلامية لديها رغبة شرهة للاستحواذ علي السلطة وميل للمراوغة والخداع. ويقول إن تهديدات قادة التيار الإسلامي وممارسات انصاره التي جرت مؤخرا بسبب استبعاد حازم أبوإسماعيل من انتخابات الرئاسة كشفت أن اصحاب هذه الأصوات وضعوا اغتصابهم للحكم في كفة وفي الكفة الأخري إعلان الحرب ويريدون فرض مرشحهم للرئاسة رغم أنف القانون. إلي جانب التعجيل بتشكيل حكومتهم بعد أن فشلوا في وضع دستور علي مقاسهم يقطع الطريق علي تداول السلطة ويعيد المجتمع المصري مئات السنين إلي الوراء ويضع نهاية لكل أهداف وشعارات ثورة 25 يناير. وتساءل إذا كانوا يهددون الآن وهم مستبعدون بحكم الدستور والقانون باستخدام العنف وتكفير الخصوم. فماذا سيفعلون بنا وبالوطن عندما يمتلكون السلاح؟. مشيرا إلي أن أنصار التيار الإسلامي يحتلون المناطق المحيطة بالمحاكم واللجنة العليا للانتخابات ويحاصرونها ويطلقون نداءات الدم ويهددون بحرب أهلية ما لم يخضع المجتمع كله لمشروع الدولة الدينية والامبراطورية المالية التجارية التي تستعد للقفز علي السلطة. وقال إنه يجب علي جميع المخلصين لهذا الوطن فضح دعوات العنف ونداءات الدم وعزل أصحابها الذين برهنوا علي أنهم أعداء للديمقراطية وللرأي الآخر ولحكم القانون. والملفت في هذا السياق. أن أحد أهم المراكز الغربية دافع عن التوجهات السياسية للتيار الإسلامي في مصر واعتبارها أكبر داعم للتحول الديمقراطي بعد الثورة. فقد كشف ناثان براون وماريانا أوتاواي. الخبيران بمعهد كارنيجي الأمريكي للسلام. في دراستهما عن "مخاطر المرحلة الانتقالية في مصر" أن الإخوان المسلمين أظهروا الصبر والانضباط علي مدار الفترة الانتقالية. حيث تجنبوا الدخول في مواجهات وصدامات. وكان تركيزهم منصبا علي مسيرة الانتخابات والانتقال إلي الحكم المدني. وأكدت الدراسة أن الإخوان دافعوا عن العملية الديمقراطية ولم يلجأوا إلي التصعيد إلا في وجود خطر حقيقي يهدد الانتقال الديمقراطي. وأوضحت أن الاحزاب الليبرالية والعلمانية فشلت في أول معركة سياسية كبري بعد الاطاحة بمبارك والمتمثلة في الانتخابات التشريعية. حيث حصلت كل هذه الأحزاب مجتمعة مع المستقلين علي 25% فقط من مقاعد مجلس الشعب و15% من مقاعد الشوري. وأنه بالرغم من ذلك تم تأمين 40 مقعدا لها بالجمعية التأسيسية للدستور من أصل 100 مقعد. إلا أن هذه الأحزاب عززت فشلها بالانسحاب من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور علي الرغم من أن البرلمان قام بتشكيل الجمعية وفقا للإعلان الدستوري الصادر عن المجلس العسكري. وحذرت من لجوء الأحزاب الليبرالية والعلمانية إلي الجهات الفاعلة بالدولة لاجتياز الإسلاميين بطرق غير ديمقراطية. مشيرة إلي أن هذا الأمر سيسفر عن تسليم البلاد لقبضة الحكم العسكري. اعتبر الدكتور كمال حبيب. الباحث في شئون الجماعات الإسلامية ومؤسس حزب السلام والتنمية. أن الحديث عن الكفاح المسلح والأجنحة المسلحة للتيار الإسلامي محاولة لإنتاج ذات الاتهامات القديمة التي تعتمد علي الفزاعات وبث الخوف والرعب في النفوس. مؤكدا أن هناك مسعي لبناء صورة ذهنية عامة عن التيار الإسلامي يبدو فيه ذلك التيار مخيفا في ذهن الناس. وقال إن الكفاح المسلح لم يعد موجودا في قاموس التيار الإسلامي. والثورة قامت سلمية وستسير علي نفس النهج حتي تحقيق كامل أهدافها. مبينا أن تسليط الضوء علي هذه الإدعاءات الزائفة في ظل المعركة المستعرة بين القوي الوطنية وفي مقدمتها التيار الإسلامي وأنصار الثورة المضادة والفلول هدفه ممارسة التشويه والاقصاء وتفتيت الجسد الوطني لإضعافه ومنعه من مواجهة من يحاولون إنتاج نظام مبارك من جديد. أكد طارق الزمر. المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية وحزب البناء والتنمية. أن الصدام المسلح غير مطروح لدي التيار الإسلامي مهما كانت الأسباب. موضحا أن الثورة بدأت سلمية ولا يمكن أن تلجأ في يوم من الأيام إلي العنف. لأن من أهم مكتسباتها هم تعميم مفاهيم العمل السلمي الإسلامي ولفت نظر الإسلاميين لمدي قوة وفعالية العمل السلمي الذي تفوق علي العمل المسلح. قال إن المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر حاليا تحتاج إلي احترام سيادة القانون وعدم الخروج عليه أو مخالفته. مشيرا إلي أنها لا تحتمل إدخال البلاد في نفق مظلم أو اتخاذ قرارات غير قانونية أو متعارضة مع المصالح الوطنية. شدد علي ضرورة الاحتكام للقضاء وجعله الفيصل بين كافة القوي السياسية. مبينا أن التيار الإسلامي ينتهج أسلوب التغيير السلمي وليس العنف. ومشاركة رموزه وممارسات انصاره تتم وفق القانون والممارسة السياسية. أشار إلي أن الصدام والتقاتل غير مطروح لدي التيار الإسلامي في عمومه مهما كانت الظروف لأنه غير مقبول من النواحي السياسية والقانونية والشرعية. وذكر أن الحركة الإسلامية طرف أصيل في العملية السياسية وتقبل بقواعدها السلمية والقانونية. افتعال الأزمات أمام الإسلاميين وإشاعة الاباطيل حولهم محاولات مشبوهة لإثارة اللغط والفزع من تقدم أنصار المشروع الإسلامي لن تؤدي إلي ارهاب الناس ودفعهم إلي عدم نصرة الفكرة الإسلامية. ترهات سياسية ورفض الدكتور محمد عمارة. أستاذ الفقه بجامعة الأزهر والنائب البرلماني عن حزب النور. المقولات التي تتهم الإسلاميين باللجوء إلي العنف والخروج عن المسار الديمقراطي. مؤكدا أن التيار الإسلامي لا يستخدم أي نوع من أنواع العنف. وأن ما يثار عن التصعيد والتلويح بالكفاح المسلح ترهات ليس لها أساس من الواقع. وأوضح أن الإسلاميين منذ الثورة بداية العملية السياسية وهم ملتزمون بقواعد الديمقراطية وأحكام القانون. وقال إن التيار الإسلامي عاني في السابق من سطوة النظام الديكتاتوري وزج بقياداته ومن ينتسب إليه في السجون والمعتقلات ومنعوا من العمل السياسي وصدرت ضدهم أحكام عسكرية جائزة وتم تشويههم إعلاميا. لفت إلي الحملة الممنهجة التي تستهدف التشنيع علي التيار الإسلامي ومحاولة وصمه بتبني العنف تخدم من لا يريدون لمصر أن تستمر في طريق التقدم. موضحا أن اتخاذ ما حدث من تجمهر أنصار أبوإسماعيل أمام الجنة العليا للانتخابات دليلا علي اتجاه الإسلاميين إلي الأساليب العنيفة هو إدعاء ظالم لأن الإسلاميين اعلنوا مراراً رفضهم العنف والتزامهم بالعمل السياسي السلمي. ولن يستدرجوا بحال من الأحوال إلي العنف. كما أن كل الشواهد تؤكد أن الاعتصام كان سلميا للمطالبة بالشفافية فقط والاطلاع علي المستندات الخاصة بالقضية.