علي مدار خمسة أيام كاملة حبست مصر كلها أنفاسها بسبب اشتعال الأحداث في شارع محمد محمود والتي نتج عنها سقوط عشرات القتلي والمصابين واطلاق كميات من الغاز المسيل للدموع ربما لم تشهدها البلاد من قبل ورغم محاولة الجيش بناء جدار عازل من الأسلاك الشائكة إلا انه لم ينجح في وقف اشتعال الأحداث أو الفصل بين الطرفين. وسط اتهامات متبادلة بين الداخلية التي تؤكد انها لم تطلق النار علي المتظاهرين وانهم يريدون اقتحام الوزارة والمتظاهرين الذين أكدوا من جانبهم انهم لا يرغبون في اقتحام الوزارة وانهم فقط يحمون أنفسهم من اقتحام رجال الشرطة لميدان التحرير. وبين هذا وذاك بدأت أول بادرة أمل لإنهاء هذا الصراع المشتعل وتوجه حوالي 30 شيخا من علماء الأوقاف والأزهر إلي وزارة الداخلية وأقنعوهم بالتراجع وإنهاء الاشتباكات الدائرة وبالفعل بدأت الشرطة في التراجع والانسحاب من محمد محمود وظهر عدد من مشايخ الأزهر في قلب شارع محمد محمود وهم يشكلون حائط صد بين الداخلية والمتظاهرين ورغم ان هذه الهدنة لم تصد لأكثر من ساعتين تم خلالهم إخلاء الجرحي وبدأ الشباب في تنظيف الشارع ثم عادت الاشتباكات من جديد لأنه ولأول مرة يبدأ الحديث عن دور فاعل وقوي للعمداء والمشايخ علي صعيد الأحداث وقد استبق هذا الحدث بيان قوي من الأزهر الشريف أكد فيه انه لا صحة اطلاق لما أذاعته بعض الفضائيات والمواقع الإخبارية ان الأزهر يدعو إلي عدم التظاهر والاعتصام وان الاعتصام والتظاهر السلمي حق مكفول لجميع أفراد الشعب وهو ما كان له أثر طيب داخل ميدان التحرير. اتصالات الطيب علمت "عقيدتي" ان شيخ الأزهر أجري عدة اتصالات مع المجلس العسكري حثهم فيها علي وقف العنف وان هذه المكالمات كان لها أثر كبير في انهاء الصراع ومع اشتداد الاشتباكات أصدر الأزهر الشريف بيانا حمل عنوان صرخة الأزهر الشريف وكان عبارة عن مطالبة قوية لوزارة الداخلية للكف الفوري عن تصويب أسلحتها للمتظاهرين وجاء في الصرخة ان الأزهر الشريف وقد أفزعته مناظر الدماء التي تسيل علي وجوه المصريين وصدورهم مما طالعتنا به الصحف ووسائل الإعلام يصرخ بأعلي صوته مناشدا قادة الشرطة المصرية أن يصدروا أوامرهم فورا ودون إبطاء بوقف توجيه السلاح إلي صدور المواطنين من إخوانهم وأبنائهم المصريين مهما كانت الأسباب. كما ينادي القوات المسلحة المصرية أن تضع كل ثقلها للحيلولة دون أي مواجهة بين أبناء الشعب الواحد. وفي الوقت نفسه يتوجه الأزهر الشريف إلي أبنائنا في ميدان التحرير وسائر ميادين مصر أن يحافظوا علي الطابع السلمي لثورتهم مهما بذلوا من تضحيات أو واجهوا من صعوبات. يذكر الأزهر الجميع بأن الحوار المضمخ بالدم حوار مشئوم وثمرته شديدة المرارة في حلوق الجميع ويدعو مصر وشعبها كله إلي اليقظة والحذر من كل مما قد ينزلق بمصر وثورتها المجيدة إلي هذا المصير البائس الكريه. ويشد الأزهر الشريف علي أيدي أبنائه من الشيوخ والعلماء الأزهريين الذين يقفون الآن حائلا دون المزيد من المواجهات العنيفة بين الاخوة من أبناء الشعب الواحد. والمثير ان هذه الصرخة كان لها أثر فوري وقوي للغاية فقد بادر منصور العيسوي وزير الداخلية في حكومة تسيير الأعمال واللواء سامي دياب عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة بحضور جلسة مجمع البحوث الاسلامية بمبني مشيخة الأزهر يوم الخميس الماضي. صرح السفير رفاعة الطهطاوي المتحدث السابق باسم الأزهر الشريف ان وزير الداخلية اقسم لشيخ الأزهر انهم لم يطلقوا النار علي المتظاهرين وقد واصل شيوخ الأزهر جهودهم ودورهم الكبير حتي تم انهاء الأزمة والتوصل لهدنة مازالت قائمة حتي الآن وتم من خلالها حقن الدماء. وفي جمعة الفرصة الأخيرة بميدان التحرير كان الأزهر حاضرا بقوة وممثلا من خلال الدكتور حسن الشافعي مستشار شيخ الأزهر الذي أم المتظاهرين في صلاة الجمعة وأسهب في الركعة الثانية في الدعاء بنصرة الثورة المصرية وجميع الثورات العربية والدعاء للشهداء بالرحمة والمغفرة وللمصابين بالشفاء العاجل بنبرة أبكت العديد من المصلين. يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق أكدنا من قبل ان الأزهر الشريف هو المرجعية الاسلامية التي يجب أن تلتف حولها جميع القوي الوطنية والسياسية وان وثيقة الأزهر التي لاقت ترحيبا واسعا من مختلف القوي السياسية وحتي الاخوان والسلفيين يجب أن تكون هي المرجعية عند كتابة دستور جديد. أضاف: ما حدث في ميدان التحرير خلال الأيام الماضية أكد ان المؤسسة الدينية قد استعادت هيبتها من جديد من خلال التحرير خاصة ان مشايخ وعلماء الأزهر لا انتماء لهم إلا للاسلام وان معظمهم لا ينتمي إلي أي فصيل سياسي أو تيار اسلامي معين وهو ما كان له أثر كبير في استجابة المتصارعين لهم وبسرعة كما انهم شكلوا حائطا بشريا في شجاعة كبيرة وهذا هو الدور الفاعل الذي كان ينقصهم خلال الفترة الماضية. ويقول الشيخ مظهر شاهين خطيب الثورة المصرية يجب علي جميع القوي السياسية في ميدان التحرير أن تنضوي تحت لواء الأزهر الشريف وأن تجتمع في رحابه وتحت رايته خاصة بعد أن أثبت رجال الأزهر مواقف بطولة وشجاعة نادرة خلال الأحداث واقتحموا شارع محمد محمود تحت وابل الضرب من الطرفين وساهموا في حقن الدماء بين الطرفين.