مجزرة بأسلحة كيماوية نفذتها قوات الجيش راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل فى الغوطة كنا نسمع أصوات انفجارات متتابعة، كان الصوت يأتي من بعيد، من هناك في الغوطة الشرقية (منطقة زراعية شرق دمشق )، في تمام الثالثة صباحا انفجرت قنبلة بالقرب من المستشفي الذي أعمل به وكان الناس يعدون في الشوارع صارخين: كيماوي كيماوي، بينما البعض متصلب جامد علي الأرض بعدما تملكهم الغاز السام، فيما كان آخرون يسحبون جثث ذويهم من منازلهم، رأيت بنفسي أبا يسحب جثث ثلاثة من أطفاله القتلي كانت هذه الكلمات للطبيب السوري أحمد من خلال "سكاي بي" لصحيفة لومند لفرنسية اليومية، هي أول شهادة حية علي ما يعتقد أنها مجزرة بأسلحة كيماوية نفذتها القوات النظامية التابعة للجيش السوري بمنطقة الغوطة الشرقية التي يتخذ منها المعارضون المسلحون حصنا ينطلقون منه لشن هجماتهم. وكان الدكتور أحمد قد حضر إلي حي "زملكا" ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من أغسطس الجاري، التي شهدت الهجوم الكيماوي، للمشاركة بخدماته الطبية في مركز طبي سري أقامه متطوعون لعلاج جرحي اسلحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عامين ونصف، ويعمل بالمركز طبقا لكلام أحمد ستة أطباء مازال 4 منهم لم يتخرجوا بعد من الكلية، وبالرغم من تدفق أعداد كبيرة من الأطباء المتطوعين علي المركز إلا أن هناك أعدادا هائلة من المصابين لا تجد من يهتم بها، وكان الدكتور أحمد يتحدث من خلال "سكاي بي" بينما زملاؤه يعرضون فيديوهات أخري موثقه لضحايا الهجوم الكيماوي. ويواصل الدكتور أحمد شهادته قائلا:" فجأة تدفق سيل من المصابين علي المستشفي، العشرات و العشرات وجميعهم يعانون نفس الأعراض: المخاط يتدفق بسيولة غير عادية من أنوفهم ويعانون صعوبات بالغة في التنفس بالإضافة إلي نظراتهم الشاردة كانوا أيضا يتقيئون ومصابين بتشنجات عصبية وفاقدي القدرة علي السيطرة علي أطرافهم. وكان سكان الحي هم أول من هرعوا لمساعدة المصابين، من خلال نزع الملابس عنهم ورشهم بالمياه، ويكمل الدكتور أحمد:" كنا نجري في كل الاتجاهات بجرعات من الأوكسيجين والأتروبين، ولم يكن لدينا سوي 600جرعة ولا يعد ذلك شيئا علي الإطلاق مقارنة بما نحتاجه فعليا، فنحن بحاجه لجرعه كل 20دقيقة، كما أننا لا نملك أي جرعات من الترياق المضاد للسموم الكيماوية، علما بأننا طلبنا ذلك منذ شهور تحسبا لهذا السيناريو ولكن الغريب أنهم أخبرونا أنه لا أحد في الخارج يريد أن يبيعنا هذه الأشياء!!" ويعد المركز الطبي الذي يعمل به الدكتور أحمد أقل المراكز تجهيزا بالمعدات الطبية، ويبدو ذلك واضحا من خلال كلام طبيب آخر من حي "جوبر" بالعاصمة دمشق، يؤكد خلاله أن المستشفي الذي يعمل به خرج منه :"2500 أمبول أتروبين و7000 أمبول هيدروكورتيزون، و3500 سرنجة " من أجل المساعدة في تدارك كارثة الغوطة ولكن الحواجز الأمنية التابعه للنظام حالت دون ذلك مما جعل الوضع أكثر مأساوية. وتعد قرية زملكا(الواقعة بضاحية الغوطة الشرقية) الأكثر تضررا من الهجوم الكيماوي حيث توضح آخر الإحصاءات الواردة منها أن عدد القتلي بلغ 473 والمصابين 1600 و ذلك حتي صباح الثالث و العشرين من أغسطس الجاري، فيما يتحدث مكتب وزارة الصحة عن 1302 قتيل 76٪ منهم من النساء والأطفال، فيما عدد المصابين 9838 كحصيلة إجمالية أولية. ويوضح نفس المصدر السابق أن عشرات آخرين قضوا في مدينتي "داريا" و"المعظمية" (بالغوطة الشرقية أيضا) ولكن في قذف تقليدي تزامن مع الهجوم الكيماوي، كما أصيب عدد كبير من المواطنين والصحفيين بالتسمم جراء محاولتهم استخراج جثث مواطنين قضوا بالهجوم الكيماوي بينما كانوا مختبئين في أقبية منازلهم، وكان هؤلاء لا يرتدون أقنعة واقية من الغازات السامة. وبالعودة لشهادة الدكتور أحمد، نجده يكمل بصوت يمزقة الحزن:" كثيرون لا يفهمون لماذا نسرع في إسعاف أشخاص لا تبدو عليهم أعراض قوية للإصابة بالغازات السامة بينما نهمل آخرين يتشنجون ويتنفسون بصعوبة، وفي الحقيقة نفعل ذلك لأننا علي يقين أن موت المتشنجين ليس إلا مسألة وقت مهما فعلنا لذا علينا الإسراع في تقديم العون للآخرين قبل أن تتفاقم حالتهم"، للأسف الشديد الأطفال هم أكثر المتضررين من هذا الهجوم فقد قضي أغلبهم بينما هم نائمون بسبب غاز السارين عديم اللون والرائحة الذي يمتلك منه نظام الأسد كميات ضخمة ويواصل الدكتور أحمد كلامه قائلا:" يجب الانتظار لمزيد من الوقت حتي نعلم عدد الضحايا الفعليين لتلك المجزرة فما زال الكثير من الجثث في أقبية المنازل وفي أحياء مهجورة بالكامل، الدكتور أحمد الذي يتحدث الانجليزية بطلاقة اعتذر من محاوره الفرنسي عبر"سكاي بي" لأنه يجب أن يغادر الغوطة الشرقية فورا ويعود أدراجه حيث يقيم في العاصمة دمشق، وهنا سأله الصحفي الفرنسي:" ولكن كيف تجتاز الحواجز الأمنية ذهابا و عودة يادكتور أحمد " فأجابه الشاب بهدوء :" أحمد ليس اسمي الحقيقي، كما أني لست مسلما بل أنا مسيحي، لذا تعاملني القوات المسيحية كموال للنظام كما أنني أجيد الابتسام في وجوههم و التحدث بلغتهم!!