لم يتبق سوي أسبوعين فقط علي تنفيذ أحد أهم الاستحقاقات في المرحلة الانتقالية وهو انتخابات رئاسة الجمهورية وبالتزامن معها استحقاق آخر لايقل عنه أهمية وهو وضع دستور جديد للبلاد، المشهد السياسي مازال علي حاله من التخبط والارتباك والفوضي، لكن الحالة الأكثر خطورة تتمثل في نفاد الصبر لدي القوي الأكثر تأثيرا في صناعة القرار في مرحلة مابعد الثورة وصولا لرجل الشارع ولا أحد يدري إلي أين تقود هذه الحالة مصر؟! تأتي أحداث العباسية ومحيط وزارة الدفاع وتداعياتها لتؤكد هذه الحالة فالجميع أصابهم الإجهاد ونال منهم التعب مبلغه، المصريون يريدون أن تصل تلك المرحلة إلي النهاية السعيدة برئيس وبرلمان وحكومة ودستور تضع مصر علي أعتاب مرحلة جديدة تنطلق فيها نحو آفاق من العدالة والحرية والديمقراطية لكن الجميع قلقون من العقد والمطبات والمفاجآت التي تعترض مثل تلك النهاية المرجوة والمأمولة لا أحد يستطيع التكهن بنهاية السباق ومن يفوز بمقعد الرئاسة لكن التعب الذي نال من المصريين قد يكون أحد العوامل التي قد تحسم السباق بين من يملكون سابق خبرة بشئون الحكم ومن يمارسونها للمرة الأولي والأزمات التي عاني منها المواطن خاصة الأمنية والاقتصادية ستلعب دورها في حسم السباق وإن كانت المؤشرات تؤكد أنه ستكون جولة ثانية للحسم بين مرشحين حققا أعلي نسبة تأييد من الناخبين، وعي المصريين سيلعب دوره في الاختيار لكن الظروف شديدة الوطأة عليهم التي ستكون عاملا مؤثرا في قرارهم. نفاد صبر المصريين أخطر مافيه أنهم قد وصلوا إلي الضيق بالثورة وتأثيراتها السلبية عليهم بعد 51 شهرا من المعاناة لكن ذلك لن يدفعهم للتحسر علي زمن مبارك ولا عودة أيامه وسنين حكمه وربما سينتظرون حتي اللحظات الأخيرة حتي يحسموا أمرهم وخياراتهم في الرئيس القادم لكنهم حائرون بين من ارتبطوا بالنظام القديم والإسلاميين والليبراليين الذين يتمسكون حتي اللحظة بحقهم في المضي إلي خط نهاية السباق وهم تقريبا نصف عدد المرشحين والنصف الآخر لايملك أي فرصة حقيقية للفوز وهوماسيقود لظاهرة تفتيت الأصوات وعدم حسم المعركة من الجولة الأولي خاصة أن الحروب التي تشن عبر الفضائيات وساحات الإنترنت وسعي كل طرف لشيطنة الآخر والتفزيع من فوز أحد مرشحيه قادت لتشويش حاد علي الناخب وأوصلت المصريين لحالة من الانقسام الحاد وضياع البوصلة !! أما القوي السياسية فهي أيضا في نفس الحالة فالبرلمان نفد صبره من الحكومة بسبب عدم قدرتها علي الوفاء باحتياجات الجماهير ومواجهة مشاكلها الحادة خاصة الأمنية والاقتصادية وبيانها رأته معظم القوي الممثلة في البرلمان إنشائيا وعاطفيا ورفضته لكن صلاحية البرلمان اصطدمت بالإعلان الدستوري فيما يتعلق بسحب الثقة وإقالة الحكومة ورغم ماقدمه البرلمان من تشريعات خلال المائة يوم الماضية إلا أن الرد علي بيان الحكومة استغرق وقتا طويلا كان يمكن استثماره بصورة أفضل في رفع المعاناة عن كاهل الشعب وأغلب الظن أن هناك تسويات تجري لحل الأزمة بدلا من وصول الطرفين إلي طريق مسدود خاصة أن الفترة الانتقالية قاربت علي الانتهاء وهناك استحقاق كل من الرئاسة والدستور علي الأبواب لكن أخطر الجهات التي لو نفد صبرها فنحن أمام مشكلة حقيقية ألا وهي المجلس الأعلي والمؤسسة العسكرية بشكل عام وأحداث العباسية تشي بفقدان جانب من رصيد الصبر لديها خاصة بعد حملات الهجوم المتوالية عليها من كافة القوي والتيارات والتي تجاوزت الحدود في الكثير من الأحيان سواء في الفضائيات أو الميادين، لكن لا أحد يقر بالتجاوز إلي حد الهجوم علي منشآت الدولة فالتظاهر السلمي حق مشروع ومكفول أما الذهاب أبعد من ذلك إلي دائرة العنف والصدام فلا يمكن قبوله حتي في البلدان العريقة ديمقراطيا التي تعتبر المساس بهيبة الدولة واستهداف منشآتها خطا أحمر، ماحدث في العباسية لابد من كشف ملابساته والجهات المتورطة في قتل المتظاهرين جنبا إلي جنب مع المحرضين علي استهداف المنشآت العسكرية، والانتقادات التي وجهت للمجلس العسكري كانت تنصب علي أدائه السياسي باعتبار أنه يدير شئون البلاد في المرحلة الانتقالية ولايجب أن ينسحب إلي المؤسسة العسكرية التي تحظي بتقدير واحترام المصريين علي اختلاف طوائفهم وتياراتهم، وماحدث بعد المؤتمر الصحفي لبعض أعضاء المجلس العسكري الأسبوع الماضي أن هناك أصواتا زاعقة في الفضائيات سواء ليبرالية أو إسلامية أو من الفلول عملت علي الشحن وإشعال فتنة بين الجانبين فحدث ماحدث كما لم يقم الأمن بدوره في حماية المتظاهرين قبل أحداث الجمعة في استمرار لمسلسل غيابه عن دوره في حماية أمن المواطن رغم التحسن النسبي في الشهور الماضية. مانحتاجه في الفترة القليلة القادمة أن تغلب كل القوي السياسية مصلحة البلاد العليا علي مصالحها المحدودة والضيقة حتي تمر تلك الفترة بسلام وأن تمتد جسور الثقة بينها فنحن جميعا في قارب واحد نتمني أن يصل بنا إلي شاطيء الأمان، وعلي الجميع أن يحكموا لغة الحكمة عبر حوارات مستمرة هادئة وعاقلة حتي يتم تسليم السلطة لرئيس منتخب من جموع الشعب ووضع دستور يكفل الحقوق الأساسية يحدد ويفصل بين السلطات لننهي تلك الفترة الأكثر ضبابية وتوترا التي امتدت أكثر مما ينبغي بسبب صراع هذه القوي علي ثمار الثورة التي لم تنضج بعد !! أخطأ الجميع بلا استثناء طوال الفترة الماضية ولابد أن يتدارك كل طرف أخطاءه ويصححها من أجل أن تظل راية مصر مرفوعة ، وما مر بنا طوال تلك المرحلة أمر طبيعي في أعقاب الثورات لكن استمرار تلك الأوضاع أمر يستدعي أن يتكاتف الجميع لأن أجراس الخطر تدق بشدة فمصر تستحق منا الكثير