يبدو المشهد السياسي هذه الأيام في مصر أشبه بمتاهة لايستطيع من بداخلها أن يتلمس طريقه جيدا إلي الخروج منها سريعا أو حتي بعد حين طال أم قصر ، الأزمات التي طابعها الرئيسي هو الارتباك والتخبط تتوالي والصراع بين فرقاء المشهد لاتوحي بانفراجة قريبة لأن الجميع علي مسافة واحدة من البعد ولايتقابلون في المنتصف إلا قليلا ثم يعود كل منهم لقواعده ومسافته من الآخرين. مازاد المشهد ارتباكا أن أي قرار يثير عواصف قبل وبعد صدوره ثم تهدأ الأمور قليلا في انتظار قرار آخر يثير عاصفة جديدة ومابين تلك العواصف تزداد حيرة المصريين وقلقهم من مستقبل قادم لايعرفون له ملامح تطمئنهم علي حياتهم وكذا الأجيال القادمة ، طالت الفترة الانتقالية ونفد خلالها الكثير من صبر الناس الذين تغيرت طبائعهم من الرفق إلي العنف ومن احترامنا لبعضنا البعض إلي السخرية والاستهزاء والتجاوز اللفظي وعدم التسامح ، ماحدث لنا خلال تلك المرحلة يحتاج لتحليل نفسي واجتماعي وسلوكي لمعرفة مايحدث لنا وهل هو نتاج طبيعي لفترة مابعد الثورات ومرحلة التغيير أم أن الغطاء انكشف عن أسوأ مافي داخلنا ؟! لاأريد المضي طويلا في هذا المسار لكن مايجري بيننا وحولنا يشي بالكثير من المثالب التي نكتشفها بعد زوال عصر الاستبداد والقهر الذي عشناه طويلا وبدلا من أن ننعم بمناخ الحرية التي طالما حلمنا بها إذا بنا ندخل في غابة تتشابك أشجارها ولا نعرف طريقا للخروج منها لأن كلا منا انشغل بالاشتباك مع الآخر بدلا من أن تلتف الأيدي والعقول للوصول للنهر والعبور للضفة الأخري للحرية بدلا من الموت داخل الغابة أو الغرق في نهر الصراعات!! لم تكتمل الثورة بل مازالت في بداياتها.. ميراث الماضي الثقيل يشدنا للخلف بدلا من أن نتخلص منه ونبني من جديد ، السلطات بدلا من أن تتكامل تتصادم.. البرلمان الذي كان في السابق سيد قراره أصبح بلا قرار أو إرادة سياسية بسبب تغول السلطتين القضائية والتنفيذية عليه ، العديد من الرموز القضائية يدلون بدلوهم في السياسة وهذا مخالف للأعراف والقواعد القضائية ، المحاكمات تسير بسرعة السلحفاة فلا حققنا عدالة أو قصاصا ولا حصلنا علي أموالنا المنهوبة منذ عشرات السنين ، كل التيارات السياسية منقسمة علي نفسها منها ماهو في الشارع مع الناس ومنها ماهو في الفضائيات لايغادرها إلا للنوم ، حتي شباب الثورة تاه في زحام الائتلافات ويري في الأجيال التي سبقته أنها مجرد أشباح وشياطين لاينبغي أن تكون في المشهد القادم. تحولنا إلي أساتذة في إفشال أي شيء نصنعه ، قدمنا للعالم نموذجا راقيا في انتخابات البرلمان ثم بدأنا وبأيدينا في هدمه وبدلا من أن نلتف حوله حاصرناه لمجرد أننا نختلف مع من بداخله، وبدأنا نعد علي أعضائه أنفاسهم، ورفعنا في وجهه رايات الفشل المبكر وحتي بعض من بداخله بدأوا يشاركون في الهدم مع من يقفون خارجه. فأصبح هناك برلمانان الأول حقيقي والآخر فضائي.. وعندما شرعنا في خطوة وضع الدستور تخبط الجميع وبدلا من أن ندير حوارا عاقلا ورشيدا يصحح الأخطاء حمل البعض معاول الهدم ليهدم المعبد فوق الرؤوس وليطفيء شمعة كان يمكن أن تضيء لنا الطريق !! ثم تأتي انتخابات الرئاسة فتقدم للترشح كل من هب ودب من الباحثين عن الشهرة والأضواء وحتي المزاح والسخرية وأصحاب الخيال الجامح حتي الجنون.. تقدم لسحب الأوراق أكثر من 1400 مواطن. كما انطلقت حرب من نوع آخر وهي فتح ملفات أبرز المرشحين لخوض السباق، ثم كانت لحظة إعلان اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية (سيدة قرارها) استبعاد أبرز المرشحين من السباق خاصة المرشح الأكثر إثارة للجدل والارتباك عمر سليمان ومن بعده حازم أبو إسماعيل والشاطر وسبعة آخرين ، تم تحصين هذه اللجنة فأصبحت فوق القانون وقراراتها لاترد فهي صاحبة الولاية والحكم حتي مع تقديم المرشحين لتظلماتهم ، وتحول أنصار المرشحين إلي حالة نموذج مشابه لجمهور الألتراس المتعصب لناديه ! المشهد أصبح مثل حالة من الجنون المؤقت أصيب بها الجميع بينما الاقتصاد يمضي من سييء لأسوأ وبينما حالة الفوضي تسير نحو المزيد، وأصبحنا ندور في دوائر مفرغة ولانتقدم خطوة واحدة للأمام ، ويجد المصريون أنفسهم أمام انتخاب من يجلس علي كرسي الحكم رغم أن اختيار الرؤساء ليس اختراعا إنما هو حق تمارسه الشعوب بصورة طبيعية وعلي فترات متقاربة وليس لمرة أو اثنتين في الحياة كما يحدث في البلاد التي لاتتمتع بديمقراطية حقيقية. الثقة المفقودة بين فرقاء المشهد السياسي هي السبب الرئيسي في كل المشاكل التي نواجهها هذه الأيام ، تحولنا لحالة فريدة من الخصومة والعداء، فالجميع مدانون حتي تثبت براءتهم وليس العكس كما تقضي قاعدة العدالة الأصيلة ، وبدلا من أن يجلس الجميع مدنيين وعسكريين وإسلاميين وليبراليين وغيرهم علي طاولة الحوار وعيونهم علي مصلحة البلاد كأولوية قصوي عشنا في أجواء صراعات لاتنتهي ولاأحد فيها فائز والخاسر الأكبر هو الوطن وحلم التغيير الذي نتمني أن يتحقق علي أرض الواقع لنا ولأجيالنا القادمة هذه المرحلة الصعبة والشاقة التي نمر بها يجب أن تمضي وأن تسير القافلة رغم وعورة الطريق في بناء دولة علي قواعد سليمة وصحيحة ذات مؤسسات حقيقية تتكامل وتكون الحدود بينها واضحة فلا تطغي مؤسسة علي الأخري ولانصنع ديكتاتورا جديدا يعيدنا لفترات لانتمني أن نراها في حياتنا مرة أخري ، نحتاج إلي أن نتصالح مع أنفسنا ومع بعضنا البعض وأن تتشابك أيدينا لا أن نشتبك ونتصارع.. حتي نعيد لبلدنا صورته الجميلة والبهية.