رغم النجاح الذي حققه الإخوان المسلمون في المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية والذي من المتوقع أن ينسحب إلي المرحلتين الثانية والثالثة إلا أن هذا النجاح من وجهة نظري محفوف بالمخاطر لأكثر من سبب.. أولها أن البرلمان القادم مهدد بسيل من الطعون، وهو مايجعله برلمانا مولوداً ميتا، وفي حالة مانفخت فيه الحياة من جديد برفض هذه الطعون سيظهر إلي النور مبتسرا منزوع الصلاحية.. فلا هو قادر علي تشكيل حكومة ولا هو يمتلك حق سحب الثقة منها. وبفرض أن تغلب الإخوان علي كل تلك العقبات تبقي أمامهم العقبة الأهم وهي مواجهة ملفات خطيرة في ظرف تمر فيه البلاد بأصعب مراحلها.. فبعيدا عن الشعارات والأحلام والوعود سيكون لزاما علي الإخوان مواجهة أزمات طاحنة في أول اختبار حقيقي لقدرتهم السياسية والتي ستكشف مدي إمكاناتهم في ترجمة وتحويل شعاراتهم إلي واقع.. وكيف يكون »الإسلام« هو الحل لجميع مشاكلنا.. وإلي أي مدي يحمل الإخوان بالفعل »الخير لمصر« .. في رأيي إن الإخوان في وضع ومأزق لا يحسدون عليه أو إن شئنا الدقة هم في بؤرة المشهد مسلطة عليهم الأضواء ومركزة عليهم العيون الكل في انتظار خطواتهم القادمة وقراراتهم وسياساتهم في التعامل مع كافة الملفات المفتوحة علي جرح الوطن. الكل في انتظار الوجه الآخر للإخوان بعدما تحولوا من جماعة محظورة إلي جماعة منصورة علي حد تعبير قاداتهم.. الكل في حالة ترقب.. المنتمون للإخوان والمتعاطفون معه وكذلك المعارضون لهم وإن اختلفت حالة ومشاعر وتخوفات كل منهم.. فالمنتمون للجماعة يترقبون بسعادة ممزوجة بأمل وثقة أن ينجح الإخوان في اجتياز مرحلة الخطر وأن يتقلدوا أمور البلاد ليرفعوا راية النصر بعد سنوات من العذاب والاضطهاد والإقصاء. أما المتعاطفون مع الجماعة خاصة البسطاء فيعلقون عليها آمالهم في تحسين معيشتهم وحل أزماتهم وينتظرون الخير الذي وعدوهم به فهم في نظرهم »بتوع ربنا« يتقونه ومن المؤكد أنه سينصرهم. هذه النظرة التي يراها المعارضون للإخوان أنها قاصرة وساذجة ولا يتفاءلون كثيرا بصعود الإخوان وإن توقعوا ذلك إلا أنهم يرون أنه صعود أشبه بالوصول إلي الهاوية التي يعقبها انحدار وسقوط مدو.. وبعيدا عن مؤيدي الإخوان ومعارضيهم تدفعنا النظرة الموضوعية إلي التيقن من أن الجماعة بالفعل تمر بمرحلة مفصلية ربما تكون من أخطر مراحلها.. فالإخوان جماعة وحزب في أول اختبار حقيقي نجاحه محفوف بالمخاطر وفشله غير مأمون العواقب. ملفات كثيرة تنتظر اختبار مدي قدرة الإخوان علي حسمها واجتيازها.. علي رأسها الملف الأمني وكذلك الاقتصادي فهل سينجح الإخوان في حالة ما إذا تصدروا المشهد السياسي في مواجهة الانفلات الأمني والتصدي للفقر والبطالة والارتقاء بالتعليم وتحسين الخدمات الصحية وحل أزمة الإسكان. هل نري علي أيديهم مصر جديدة لا يعاني أهلها الفقر والمرض والجهل والبطالة والقهر والتعذيب وإهدار الكرامة. هل ستتحول مصر إلي حضن يسع الجميع بمختلف أنتماءاته الدينية والثقافية والأيديولوجية والفكرية.. أم أنها ستصبح وطنا لصوت واحد ولون واحد وطيف واحد وفصيل واحد له الكلمة العليا يفرض علي الآخرين الصمت.. رغم يقيني أن الشعب الذي قام بالثورة لا يمكن أن يقبل أن تسلب حريته وكرامته ثانية وأن عودته للميدان لن تكون صعبة في حالة ما إذا شعر أن يد الظلم عادت تبطش به حتي وإن تخفت برداء ديني. لا أعتقد أن عقارب الساعة يمكن أن تعود للوراء رغم كل بوادر الهدوء والصمت التي بدت تسم أغلبية المصريين والتي أبعدتهم كثيرا عن الميدان بما فيه من صخب الثورة الذي يأبي أن يهدأ حتي يحقق أهدافه.. وسط هذا الجو المشحون بالترقب والحذر والخطر يكون لزاما علي الإخوان التحرك بحساب دقيق وعقلانية وتصبح أولي المهام الملقاة عليهم هي استعادة ثقة بدت مفقودة خاصة مع الثوار.. خذل الإخوان الثورة برفضهم المشاركة فيها يوم اندلاعها في 25 يناير.. ربما كانت لهم حساباتهم وتقديراتهم التي قبلها الثوار والتمسوا فيها العذر لهم وكان لوجود شباب الإخوان عاملا مهما في اجتياز تلك الأزمة.. لكن مالا يمكن قبوله أو تفهمه هو عدم مشاركة الإخوان في مليونية لا للمحاكمات العسكرية.. ولا تقنعنا كثيرا الحجج التي ساقوها آنذاك كما لم تقنعنا الحجج التي برروا بها عدم مشاركتهم الثوار في أحداث موقعة محمد محمود الدامية. وللأسف أيضا جاء أداؤهم في المرحلة الأولي ليكرس هذه الصورة.. ضرب حزبهم بقوانين الانتخابات عرض الحائط وانزلق مثل غيره في العديد من المخالفات من دعاية تجاوزت السقف المحدد.. وتقديم رشاوي انتخابية وإقامة سرادقات والاستمرار في الدعاية حتي اللحظات الأخيرة.. فعل الإخوان كما فعلت جميع الأحزاب والقوي والائتلافات ارتكاب نفس الأخطاء والانتهاكات والتجاوزات.. إلا أن عيون الجميع كانت مسلطة بالأكثر عليهم ليس بسبب أنهم سجلوا النسبة الأعلي في التجاوزات والتي بررها البعض بزيادة عدد مرشحي الإخوان وتصدرهم للمشهد الانتخابي ولكن لأن الإخوان يرفعون شعار الإسلام وحزبهم يفتخر بمرجعيته الدينية ومن ثم يكون من غير المقبول أن يصدر ذلك منهم.. لم يكن الإخوان حزبا وجماعة في حاجة للتجاوز أو الانتهاك أو ارتكاب أي مخالفات في العملية الانتخابية فمؤشرات نجاحهم كانت تبدو واضحة.. وبالفعل جاءت النتائج لتؤكد ذلك.. إلا أنني أعتقد أن نجاح الإخوان سيكون أفضل لو ضربوا لنا مثلا في المسلم الحق الملتزم بدينه المتمسك بالمبادئ الملتزم بالتعاليم الرافض للغش أو الرشوة أو التجاوز المؤمن بأن نُبل الغاية لا يصلح معه إلا نُبل الوسيلة.