أيام قليلة ويهلُّ علينا شهر رمضان الكريم، الذي يسبقه كل عام ارتفاع كبير في الأسعار، ما يعدُّ كارثة بالنسبة لأصحاب المعاشات، نظراً لعدم حصولهم علي معاشات مناسبة لمواجهة تضخم الأسعار، وهو ما يجعلهم يتحسبون بقلق بالغ المواسم والأعياد ويعدّون لها العدة قدر المستطاع، بعدما بُحت أصواتهم للمطالبة بزيادة قيمة المعاشات دون جدوي. تجاعيدهم التي تغطي وجوههم ونظرات الحسرة والحيرة بعيونهم هي ما تميِّزهم عن غيرهم. إنهم أصحاب المعاشات الذين قضوا سنوات من أعمارهم في العمل، ومع انتهاء خدمتهم وبلوغهم سن المعاش لم يحصلوا علي مبالغ تتناسب مع الأسعار التي تزداد كل يوم دون ضابط، بداية من ارتفاع سعر الأدوية والسلع الغذائية والملابس وصولا إلي مستلزمات شهر رمضان مما وضعهم في مأزق، فذهبوا يحسبون الحسابات في محاولة لتدبير احتياجاتهم، ما يجعل حالهم هذه الأيام لا يقل سوءا عن باقي العام. وحتي الذين لجأوا إلي العمل للحصول علي مبلغ يعينهم علي مواكبة ارتفاع الأسعار وسد احتياجات أسرهم لم يفلحوا وخاصة من أصحاب المعاشات المبكرة، وهنا يقص حسام خليل 54 (معاش مبكر) حكايته قائلاً: عملت بإحدي الشركات الخاصة لمدة 18 عاما ولظروف قهرية خاصة بالعمل خرجت إلي معاش مبكر ب 487 جنيها، ولديّ أبناء أكبرهم بالجامعة والصغير بالثانوية العامة وبالطبع لم يكفِ المبلغ مصاريفنا من قريب أو بعيد، فكان لابد من البحث عن عمل وبعد طول انتظار نجحت في العمل بإحدي الشركات الخاصة إلا أنني فوجئت باستقطاع مبلغ من المعاش وبعدها علمت أنه بسبب عملي الجديد، وأنه حسب اللوائح يتم استقطاع مبلغ من المعاش عند الالتحاق بعمل آخر وخاصة إذا كان هذا العمل يؤمِّن عليّ. يتابع: لم يخف علي أحد حتي المسئولين بالعمل أن المعاش لم يكفِ حتي لتناول العيش الحاف، فمن أين إذن أصرف علي أبنائي.. لم يكن أمامي إلا البحث عن عمل لسد مصروفاتنا من مأكل وملبس وفواتير الكهرباء والإيجار، وبدلاً من زيادة المعاش تم الاستقطاع منه وفقاً لقوانين لا أعلم من أين جاءوا بها. أما عن ارتفاع الأسعار فيقول: إنه لا ضوابط لها، فبات من المعروف أن الأسعار ترتفع قبل المواسم، ونحن أصحاب المعاشات نعاني الأمرّين كل عام حتي ندبر الأشياء الأساسية للشهر الكريم ونستغني عما يمكن الاستغناء عنه، وللعلم الذي يتم الاستغناء عنه ليست أشياء غير هامة، ولكننا نحاول الاقتصاد علي قدر المستطاع، فنحن نعاني، وقد يكون حصولنا علي قوت يومنا من الصعاب، فلابد من اهتمام المسئولين بضبط الأسعار ومحاربة جشع التجار، فأرباب المعاشات بين نارين طوال الوقت وخاصة أيام الأعياد لما يصاحبها من ارتفاع في الأسعار في مقابل تدني معاشاتنا التي تمثل بالنسبة للأسعار "صفر علي الشمال". أما أم أحمد فلم يُعنها علي المعيشة سوي الله وولاد الحلال علي حد قولها، فهي أم لثلاثة أطفال تركها زوجها المتوفي منذ زمن ليس ببعيد ولكنه بالنسبة لها دهر، فالمعاش الذي تتقاضاه لم يكفِ متطلبات أطفالها، فالمعاش الذي تضمنه لها وزارة التضامن الاجتماعي لم يتجاوز 500 جنيه شهرياً. وتقول أم أحمد: المعاش الذي أتقاضاه لم يكفِ مصروفاتنا من مأكل وملبس وعلاج ومصاريف المدارس وهو ما جعلني أعمل في البيوت ومسح الشقق وسلالم العمارات وغسل السجاجيد حتي أسد عجز مصروفاتنا. تضيف: ولاد الحلال كتير وعملي بالشقق والعمارات المختلفة جعل لي صلة بناس كثيرة علي علم بظروفي، فأصبحوا يعدُّون العدة لي عند كل مناسبة، ويبقي لي نصيب من الشنط الرمضانية أو الاحتياجات الأخري التي تخص كل مناسبة، لولا ذلك لا أقدر علي توفير طلبات 3 أطفال في ظل معاش متدنٍ وأسعار مرتفعة. فيما يقول العم محمد: نحن أرباب المعاشات مع الوقت لم يبق أمامنا سوي "الشحاتة"، فمن ناحية المعاش لم يكفِ للعيش الحاف ومن ناحية أخري الأسعار وحش ينهشنا، مضيفاً أن الحكومة تعتبر صاحب المعاش بدون مسئوليات علي الرغم من أن معظمنا لديه أبناء بمراحل تعليمية مختلفة ومنهم المقبل علي الزواج، مضيفاً أن أصحاب المعاشات أفنوا عمرهم في العمل لسنوات طويلة وعند نهاية الخدمة لم يكافأوا بما يستحقونه، مشيراً إلي أن أصحاب المعاشات هم أكثر فئة متضررة من ارتفاع الأسعار والقرارات المفاجئة، كقرار وزير الصحة برفع سعر الأدوية 20%، فمشكلة العلاج من أكثر المشكلات تعقيداً التي تواجهنا فماذا نفعل بعد ارتفاع أسعار الأدوية، فهناك الآلاف من الأشخاص الذين يعانون أمراض السكر والقلب ولم يوفَر لهم العلاج. يتابع: أصحاب المعاشات يمثلون قطاعا كبيرا من الشعب، ورغم ذلك لا تتم مراعاتنا.. لديّ أربعة أبناء من ضمنهم بنتان علي أعتاب الزواج ومنهما واحدة مخطوبة وأعاني أشد المعاناة حتي أدبر لها مصاريف الزواج، حتي أني أضطر للعمل رغم حالتي الصحية السيئة، إلا أنه لا يوجد حل آخر أمامي وفي النهاية يسأل: إلي متي سيظل حال أصحاب المعاشات بهذا الشكل يتهيأون لأي مناسبة سعيدة أو للأعياد وهم قليلو الحيلة تملأهم الحسرة. من جانبه يعلِّق البدري فرغلي رئيس اتحاد أصحاب المعاشات قائلاً: أرباب المعاشات يمثلون 45% من الشعب تتلخص مطالبهم في تطبيق الحد الأدني للمعاشات 1200 جنيه، وصرف فروق علاوات أعوام 2005، 2006، 2007، واسترداد أموال المعاشات التي استولت عليها وزارة المالية لسد عجز الموازنة التي حددتها غادة والي وزيرة التضامن ب 485 مليار جنيه، هذه الأموال التي تم نهبها من أصحاب المعاشات كفيلة بتحسين أوضاعهم فهم من خدموا الوطن لسنوات طويلة بالمجالات المختلفة للعمل إلا أن أموالهم منهوبة وأصواتهم غير مسموعة وهم في حاجة لجنيه واحد. يضيف: رغم معاناة أصحاب المعاشات إلا أن الحكومة أسقطتهم عمداً من حساباتها، وتجاهلت مطالبهم أمام البرلمان وحقوقهم القانونية والدستورية وهو ما اضطرنا إلي الوقفات الاحتجاجية وسنقوم بجمع مليون توقيع علي استمارة "عايز حقي" لتقديمها إلي الحكومة والرئيس في محاولة لرد حقوقنا. مشيراً إلي الانهيار الاجتماعي الذي يتعرض له أصحاب المعاشات في ضوء انهيار الجنيه وارتفاع سعر الدولار والوضع الاقتصادي الحالي الذي أدي بدوره إلي زيادة الأسعار، فوضع أصحاب المعاشات في موقف أشد صعوبة مما هم عليه، ولذلك ستستمر أصواتنا عالية بمطالبنا إلي أن يُنظر بعين الرحمة والاهتمام لنا وتحقق مطالبنا التي نري أنها مشروعة ولا تضر بأحد، بل علي العكس فهي تخدم فئة لا بأس بها من المجتمع. في موازاة ذلك، أكد سعيد الصباغ رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات أن أزمة أصحاب المعاشات مازالت مستمرة حتي في ظل تغيُّر المسئولين حيث إن معظمهم أساء التصرف مع مشكلة التأمينات حتي قُدِّرت الخسائر بنحو 612 مليار جنيه هي عبارة عن ودائع وأصول ثابتة تقترض منها الحكومة بفوائد قليلة لسد عجز الموازنة، وقد اقترحنا أكثر من مرة أن تدفع الحكومة فوائد هذه الأموال بشكل منتظم لتقر الفائدة ب 17 مليار جنيه سنوياً ولكن دون جدوي لتستمر الأزمة. وأضاف: هناك 9 ملايين مواطن من أصحاب المعاشات يبحثون عن حياة كريمة، لكن الحكومة حتي الآن تتعامل مع ملف المعاشات بشكل خاطئ مصوِّرة للجميع أن أموال المعاشات عبء كبير علي الخزانة العامة، مع أن العكس صحيح لأنه يتم الاقتراض من أموال التأمينات لسد عجز الخزانة العامة، فالدولة قامت باقتراض 160 مليار جنيه من أموال التأمينات العامة مع عدم احتساب الفوائد الخاصة بهم، ونحن لم نلقِ بالاً في كل ذلك سوي بحصول أصحاب المعاشات علي مستحقاتهم وما يعينهم علي الحياة، فهناك معاشات لم تتجاوز 400 جنيه يتم الصرف منها علي أسرة كاملة وهو ما يفسر الحال الذي وصل إليه أصحاب المعاشات، ولذلك نأمل أن تكون العلاوة الممنوحة هذا العام مناسبة مع تضخم الأسعار بما لا يقل عن 150 جنيها، كما أن الحكومة لابد أن تجد حلاً سريعاً لمشكلة الغلاء وارتفاع الأسعار في مقابل تدني المعاشات.