كتبت عن منجم السكري للذهب عدة مقالات منذ عام 2012 في عدة صحف قومية وخاصة آخرها في »الأخبار» بتاريخ 21/11/2016 ولم يعلق أي مسئول من الحكومة، أمر يذكرنا بمقولة بليغة للراحل الدكتور إبراهيم بدران حينما قال له أحد الحضور في أحد المؤتمرات يا دكتور نحن نؤذن في مالطة فقال له الدكتور إبراهيم بدران ونحن علينا أن نؤذن. وثقافة دفاتر الحضور والانصراف في كل المصالح الحكومية تقريباً ( الإنتاجية والخدمية ) هي ثقافة متجذرة في مصر، وبحسب دفاتر الحضور والانصراف المعروفة للجميع فإن كل العاملين في الدولة يعملون مثل الساعة وبجد وكفاءة ونشاط يحسدهم عليه الصينيون والكوريون والهنود وبالطبع الأوروبيون والأمريكيون... هذا ما تقوله دفاتر الحضور والانصراف الحكومية، أما الواقع فهو عكس ذلك 180 درجة تقريباً. وإني أتصور أن جانباً كبيراً من ديون مصر الداخلية والخارجية وهي بمبالغ مخيفة كما نعرف قد ذهبت كرواتب وحوافز إنتاج ومكافآت إنتاج لمعظم هؤلاء الذين تقول عنهم دفاتر الحضور والانصراف الحكومية أنهم يعملون مثل الساعة، ولو تجرأ البرلمان الحالي وناقش مشكلة ثقافة الحضور والانصراف ووجد لها حلاً لكان ذلك عملاً يخلده في التاريخ البرلماني المصري قرأت كغيري في وسائل الإعلام أن » لجنة الصناعة بالبرلمان تستعد لتنظيم زيادة ميدانية ( في أكتوبر الماضي ) لمنجم السكري للوقوف علي صحة ما يتردد حول سيطرة بعض الشركات علي الإنتاج وأن مصر لا تحصل سوي علي 20 % من إيراداته فقط خلال خمس سنوات، وأن هذا الموضوع من أولويات اللجنة في دور الانعقاد الثاني » ويذكرنا ذلك علي الفور بلجنة صوامع تخزين القمح التي شكلها البرلمان منذ شهور قليلة وتمكنت كما أذيع من ضبط » فساد كبير »... إلخ. وأني أري أن مشكلة » صوامع تخزين القمح » الآنفة الذكر تختلف 180 درجة بالتمام والكمال عن مشكلة » منجم السكري » أو غيره من مناجم الذهب في مصر. لماذا ؟ وأقول إن لجنة أو شخصا ما إذا ما أراد أن يفحص مشكلة صومعة غلال ما وذهب إلي هذه الصومعة فإنه سوف يصادف شيئين أولهما ما يشبه » دفتر الحضور والانصراف » مدون فيه الداخل والخارج من كميات الغلال بالصومعة وتواريخها، والشئ الثاني هو » جسم الصومعة وما فيها من غلال » وعندئذ يسهل عليه تقدير ما فيها من غلال في نفس يوم الزيارة،، وبمقارنة ما هو مدون » في دفتر حضور وانصراف » الغلال إن جاز التعبير أو الوارد والصادر وما هو موجود في الصومعة يحصل الشخص أو اللجنة علي الهدف المطلوب. أما في منجم ما فالأمر مختلف عما ذكرته آنفا 180 درجة ذلك أن لجنة أو شخصا ما إذا ما زار هذ المنجم سوف يجد أمامه شيئاً واحداً لا شيئين كما هو الحال في صوامع الغلال الشئ الواحد هنا هو » دفتر الحضور والانصراف للذهب » إن جاز التعبير أي مقدار ما أنتجه المنجم من ذهب في فترة زمنية محددة وعندئذ علي اللجنة أو الزائر أن يأخذ بما هو مدون وموقع عليه من عشرات الأشخاص ومعتمد بكل الأختام في دفتر الحضور والانصراف هذا أو لا يأخذ أي أنه أو أنها ( اللجنة ) سوف تعود كما ذهبت أو » زي ما راحت زي ما جات » كما يقال في المثل الدارج - ما رأي لجنة البرلمان الآنفة الذكر ؟ تجدر الإشارة هنا إلي أن منجم السكري، وهو منجم فرعوني قديم وكان ضمن آخر من استخرج منه الذهب » شركة منجم السكري للذهب » في الفترة بين عامي 1915 و1920، وفي سبعينيات القرن الماضي قامت المساحة الجيولوجية المصرية بدراسة وتقدير كميات الذهب في أحجار هذا المنجم من خلال بعثتين جيولوجيتين لدراسة وتقييم احتياطي الذهب من منجم السكري وبعض المناجم المجاورة وأكبرها منجم حنجلية - وهو أكبر من منجم السكري - ومن هنا أطلب من الحكومة المصرية أن تشرح للناس بداية وآلية التعاقد مع المستثمر علي استغلال منجم السكري والمناطق المجاورة - هذه أولاً، وثانياً وهو الأخطر فإن الدولة تعاقدت مع المستثمر علي البحث والاستغلال في مساحة تقدر بمئات الكيلومترات المربعة كما هو الحال في التعاقد مع شركات البترول في الصحراء الغربية أو شواطئ ( الرف القاري ) البحر الأبيض المتوسط وغيرها... وهذا هو الخطأ القاتل الذي يجب الالتفات إليه وإصلاحه.. ذلك أن جيولوجيا البترول في الصحراء الغربية مثلاً تختلف اختلافاً جذرياً عن » جيولوجيا الذهب » في الصحراء الشرقية.. ثالثاً : إن موقع منجم السكري ومنجم حنجلية ومنجم أم تندبة ( تندبة وتندب، بضم التاء هي أسماء أشجار في الصحراء الشرقية بمصر ) ومنجم أو موقع كردمان وعشرات مواقع الذهب في منطقة امتياز مستثمر منجم السكري تسمي في علم الجيولوجيا باسم إشارات أو رسائل أو علامات أو أذرع apophysis لأجسام صخرية حاملة للذهب تحت سطح الأرض والتي تمثل مقاطعة أو إقليم ذهب عملاقا سوف يستمر استخراج الذهب منه خلال مائة إلي مائة وخمسين سنة وبعمق يزيد عن أربعة كيلومترات ويقدر الإنتاج بعشرات وربما بمئات الأطنان من الذهب سنوياً وقد أشرت إلي ذلك في الجزء الثاني من كتابي » موسوعة الجيولوجيا الاقتصادية وانعكاساتها البيئية - ثلاثة أجزاء - الصادر عام 2016 ».