يضبط وشاحه الأخضر على صدره، يطرق بساعده ثلاثاً، آمراً الحضور بالجلوس إجلالاً للعدالة، الحكم طال انتظاره، يتوقف عليه الكثير، يجلس الجميع فى سكون وكأن على رؤوسهم الطير، يبدأ بديباجة طويلة، ثم يشرع فى قرار المحكمة «لذا...». المستشار صبحى عبدالمجيد، رئيس محكمة بورسعيد، سيكون محط أنظار المصريين فى مصر وخارجها، من خلال الجلسة المحدد لها النطق بالحكم فى قضية مذبحة «استاد بورسعيد» التى أودت بحياة 72 مشجعا من جماهير ألتراس الأهلى. وتبقى قضية مذبحة بورسعيد هى الأصعب خلال عام من القضايا الساخنة، وسط صرخات ودموع أهالى المجنى عليهم التى بلّلت مدرجات قاعة كلية الشرطة التى تنعقد بها المحاكمة، وأُسر المتهمين متحفزة ضد حكم يصدر ضد ذويهم، وشباب الألتراس يتصدرون المشهد هنا وهناك. ومع اضطراب الأجواء قبيل ساعات من موعد جلسة النطق بالحكم، والحديث عن تأجيل إدارى أو إرجاء الحكم وفتح باب المرافعة بناء على طلب النائب العام لوجود أدلة جديدة، يبقى المستشار صبحى عبدالمجيد هو صاحب القرار الأول والأخير فى تحديد مصير المتهمين، وحق المجنى عليهم وأهالى الطرفين وردود فعل ألتراس الأهلى والمصرى، وسيناريوهات متعددة تنتظرها البلاد بناء على هذا الحكم الذى سيرضى طرفاً صاحب حق، على حساب الطرف الآخر، بالقانون. عام من الجلسات التى بدأت بتحقيقات تلت المذبحة مباشرة، بحزم يحاول القاضى السيطرة على انفعالاته فى كل جلسة من المحاكمة، محاورته لأسر الضحايا والمتهمين بهدوء تقديرا لموقفهم، التحفظ مطلوب فى التعامل على الرغم من تصاعد وتيرة حديثه معهم وتهديده لهم فى أكثر من مرة بالطرد من القاعة فى حالة إحداث جلبة أو ضجيج، الرأفة بأى الطرفين (أهالى الجناة، أو المجنى عليهم) قد تُفهم تحيزاً بالخطأ. «الحكم عنوان الحقيقة»، وموضوعها سير الجلسات؛ لذا حاول «عبدالمجيد» خلال عام من الجلسات الخاصة بقضية مذبحة استاد بورسعيد أن يستمع فى جلسات متواصلة لأقوال الشهود ومرافعات المحامين، جلسات كان استماعه هو فيها سيد الموقف، وإفساح المجال للجميع للمرافعة والإدلاء بالشهادة، وتبقى الكلمة الأخيرة هى كلمة الحكم معلقة بين شفتى «قاضى المذبحة»، رغم تكهنات بإمكانية تأجيل النطق بالحكم بعد مذكرة تقدم بها النائب العام طلعت عبدالله تفيد بحصوله على أدلة جديدة تضيف متهمين إلى القضية.