على مدار نصف ساعة لمسافة أكثر من 6 كيلو مترات داخل بحيرة المنزلة بمحافظة دمياط، استقللنا خلالها مركبا صغيرا يسمى «الصاروخ» يسير بمعدل 55 كيلو فى الساعة، فى مشهد ملىء بطبيعة ربانية لبحيرة لم يُحسن استخدامها بل كانت محاولات القضاء عليها ومن يرزقون منها هى السلاح الذى يهدد دائماً ثروة سمكية مهدرة، وأخرى بشرية غير مستغلة من أجل زيادة موارد الدولة، واستغلال ثروة هائلة يمكن أن تضخ للدولة مئات الملايين سنوياً. الأمر الذى دفع عددا من الصيادين المصريين إلى التسلل للمياه الإقليمية لدول أخرى فى محاولة للصيد بها بدون ترخيص. رصدت «الوطن» داخل بحيرة المنزلة هدم وحرق عدد من منازل كبار البلطجية فى دمياط، الذين استوطنوا البحيرة على مدار السنوات القليلة الماضية، روعوا فيها الصيادين والمواطنين من أهالى دمياط والمراكز المحيطة بها، الذين قالوا إن شرطة المسطحات المائية كانت لها أيد فى انتشار البلطجة، وأشاروا إلى أن الخارجين على القانون تحولوا بعد الثورة من سرقة مواتير المراكب إلى خطف الأطفال وطلب فدية.تحولوا بعد الثورة من سرقة «مواتير المراكب» إلى سرقة الأطفال وطلب فدية من أسرهم واستخدمت فى الحملة اللودرات للقضاء على التعديات داخل البحيرة، بعد 5 أيام من الحملة التى شنتها وزارة الداخلية على بحيرة المنزلة، للقضاء على البؤر الإجرامية والقبض على الخارجين على القانون وإزالة كافة التعديات على البحيرة، لوحظ أيضاً الوجود المكثف لقوات الأمن المركزى على شاطئ البحيرة وعدد من قوات المسطحات المائية، كما ألقت قوات الأمن القبض على أولاد «الكبوس» أحد أشهر المجرمين بالبحيرة. يعيش أهالى بحيرة المنزلة بمنطقة الحمرا وغزلات بدمياط، كباقى الأهالى الذين يعيشون على امتداد البحيرة، فى حالة من الذعر والخوف بعد سيطرة البلطجية وقاطعى الطرق على المنطقة، إذ أغلقوا البحيرات وسيطروا على مداخل ومخارج البحيرة وقناة «البغدادى» و«المجازرة» وذلك بالتعاون مع أصحاب المزارع المجاورة. استمعت «الوطن» إلى معاناة أصحاب المزارع الذين عانوا على مدار سنوات مضت من قطع لأرزاقهم وسرقة مراكب الصيد الخاصة بهم، قال الحاج حمادة صاحب إحدى المزارع السمكية، إن البلطجية سيطروا على بوغاز «الجمازرة» وهددوا جميع أصحاب المزارع بالخطف والقتل حال عدم دفع الفدية المطلوبة كلما سرقوا مركبا، كما سيطر البلطجية على القناة الواصلة بين مزرعتى «أدكو» و« الحرمين» مشيرا إلى تواطؤ شرطة المسطحات المائية معهم فى ظل النظام السابق وعدم إلقاء القبض على أى منهم رغم علمها بمواقعهم مما ساهم فى زيادة سطوة البلطجية على البحيرة. وأوضح جمال عبدالمجيد حسان (58 سنة) الذى يعمل فى الصيد منذ كان عمره 8 سنوات: تركت مهنة الصيد من حوالى 10 سنوات، بعد تراجع أحوال الصيد كثيرا عن زمان، والبحيرة منذ تركتها قوات حرس الحدود، أهدرت وزادت التعديات عليها سنة تلو الأخرى، فكل ما يحدث فى البحيرة يعود إلى شرطة المسطحات المائية وذلك بسبب تواطؤ عدد من العساكر بشرطة المسطحات بمنطقة «النسايمة» والحصول على الرشاوى مقابل تسهيل المهمة للبلطجية والخارجين على القانون وإرشادهم عن عمليات الأمن قبل الاقتحام. ويكمل حسان الذى لديه ولدان أحدهما أمين شرطة والآخر يساعده فى المطعم الذى يعمل به حالياً على بحيرة المنزلة، أن التعديات تركزت فى كل من المطرية والنسايمة والشبول والجمالية والروضة، حيث استشرت البلطجة بتلك المناطق، وأن البلطجية اعتادوا ترويع الصيادين وخطف الأطفال وطلب فدية، مشيرا إلى أن البلطجية يختفون تماماً وقت شن الحملات على المنطقة وكأن هناك من يرشدهم على نزول الحملات ومواعيد الهجوم عليهم، وهو ما يؤكد تواطؤ عناصر أمنية صغيرة وكبيرة بمديريات الأمن لصالح هؤلاء المجرمين، مشيرا إلى أنه يتخوف من شرطة المسطحات أكثر من تخوفه من البلطجية نتيجة فرض سلطاتهم على الصيادين ودفع الرشاوى لهم. وأكد عدد كبير من أصحاب المزارع فشل الحملة رغم الاستعداد الجيد لها من حيث المعدات، نظراً لهروب كل العناصر الرئيسية للبؤر الاجرامية قبل وصول قوات الأمن إلى البحيرة، ومن أهم هؤلاء الخارجين على القانون «ناصر الشناوى» و«حمادة العاصى» اللذان اعتادا سرقة مواتير المراكب بالمطرية، ومن كان يحاول مقاومتهما يطلقان النار عليه ويلقيان به فى البحيرة، وعقب الثورة تحول مثل هؤلاء المجرمين من سرقة مواتير المراكب إلى سرقة الماشية وخطف الأهالى ومطالبة ذويهم بفدية كبرى. الحاج أحمد حجازى،65سنة، أحد رجال الأعمال بدمياط، يروى أن بعض العصابات التى استوطنت البحيرة، خطفت حفيده منذ قرابه عام، وطالبوا بدفع فدية مليون جنيه حتى يعود له مرة أخرى. ويحكى الرجل وهو يحتضن حفيده البالغ من العمر 11 سنة: «عشت أيام حزن وألم بعدما خطف حفيدى أحمد، لم تكن المشكلة بالنسبة لى دفع الفدية، ولكن ألا يتعرضوا له بالإيذاء، فتواصلت مع العصابة لعدة أيام حتى دفعت المبلغ المطلوب، وأطلق سراحه وعاد إلى بيته، وفى نفس اليوم الذى عاد فيه أحمد كانت الشرطة قد توصلت للمختطفين وألقت القبض عليهم». وقال الحاج أحمد وهبة، أحد أصحاب المزارع السمكية بدمياط، إنه لا يوجد صياد واحد فى البحيرة، إلا وتم إيذاؤه على يد البلطجية سواء كان بإطلاق النار عليه، أو سرقة المركب الذى يعمل عليه والمطالبة بفدية، واختطاف الأطفال وترويع أهالى البلد. وأضاف الرجل البالغ من العمر 42 سنة: «عمليات سرقة مواتير المراكب انتشرت قبل الثورة بعامين تقريباً، وعقب الثورة بدأت العصابات فى خطف البشر ومطالبة أهاليهم بدفع فدية لإنقاذهم، فهنا الصيادون يعيشون فى بؤس وشقاء، نتيجة أن كل يوم حد، يتم قطع رزقهم ويُمنعون من أكل لقمة عيشهم. وفى أوقات كثيرة كنا نتصدى لهؤلاء البلطجية كلما تعرضوا للصيادين بالإيذاء». وقال عبدالله بحيرى 28 سنة: «احنا شفنا أيام سودا داخل البحيرة، حياتنا توقفت ورزقنا انقطع بعد انتشار المجرمين داخل البحيرة خلال السنوات الماضية، الأمر لم يتوقف داخل البحيرة على ترويع الصيادين ومنعهم من مزاولة عملهم، فابن خاله حمادة أطلق عليه الرصاص فى قدمه، مما تسبب فى عجزه وأصبح لا يستطيع العمل مرة أخرى، وهو نموذج من كثيرين». واشتهرت محافظة دمياط عن باقى المحافظات التى تمتد عليها بحيرة المنزلة بانتشار عمليات القتل والخطف خلال الشهور الماضية، وكان آخرها، مقتل إبراهيم حمزة، صاحب إحدى المزارع السمكية بشهر رمضان الماضى، إذ عثر أهالى قرية الشيخ ضرغام على جثمانه بالبحيرة.