يعيش أهالى بحيرة المنزلة بمنطقة المطرية محافظة الدقهلية حالةً من الفقر والجوع والمعاناة بعد أن استولى عليها البلطجية وعصابات التهريب والخطف، وأقاموا بها أبراجَ مراقبة لرصد حركة الطريق وإطلاق إشارات إنذار حال اقتراب حملة شرطة المسطحات أو أى صياد غريب عن البحيرة. لا يعرف هؤلاء البلطجية إلا استخدام السلاح والعنف ضد أى أحد، ولا تفاهم معهم بغير إطلاق الرصاص، ما تسبب فى مقتل أعداد كبيرة من الصيادين وإصابة آخرين بعاهات مستديمة منعتهم من التحرك ومزاولة أعمالهم، نتيجة لتعمد إطلاق الرصاص غالباً على الأقدام. «الوطن» رصدت معاناة أهالى بحيرة المنزلة، بعدما طال صبرهم ولم يستجِب أحد لهم ويخلصهم مما هم فيه، ويروى أحمد سلامة (50 عاماً): لدىَّ ابن اسمه محمد، عمره 25 عاماً، يعمل صياداً على أحد المراكب، وحاصل على مؤهل متوسط، ولم يكن يعرف أن السعى وراء رزقه ورزق عائلته سيلقى به فى نهاية المطاف على الفراش عاجزاً دون القدرة على العمل. ويضيف الوالد: فى شهر مايو الماضى، أخذنى ولدى أنا وأخاه الأصغر فى رحلة صيد داخل بحيرة المنزلة، وأثناء سيرنا داخل البحيرة خرج علينا سيل من طلقات النيران، جميعها كان يتوجه ناحية محمد ابنى، فأصيب بطلق نارى فى الحوض والفخد اليسرى أدى إلى قطع جميع أوردة القدم. ويكمل الرجل المريض بالكبد بأن ابنه هو مصدر الدخل الوحيد لأسرته، بعدما أصابه المرض: «ظل ابنى راقداً على الفراش على مدار شهرين بمستشفى طوارئ المنصورة، بعد أن قام الأطباء بربط الوريد لإيقاف النزيف، لكنه حتى الآن لا يستطيع التحرك، ثم ذهبت به إلى مستشفى الأزهر الجامعى بدمياط الجديدة، لإجراء عدة عمليات، لكنه لا يزال يعانى من عدم قدرته على الحركة». وبعين الحسرة والألم على ولده، يكمل «أحمد» أنه قدم العديد من الشكاوى ولم يتحرك أى أحد لإنقاذ ابنه، فلم يتم القبض على المجرمين حتى تلك اللحظة، وأنه استاء من معاملة الضباط له، حتى إن أحدهم قال له ذات مرة: «لما الأربع سنين بتوع مرسى يخلصوا هنبقى ننزل نشتغل». ويقول محمد حسن، أحد شباب المطرية (25 عاماً) إن المهنة التى يعيش عليها الناس هنا هى الصيد، لكن احتل البحيرة ما يقرب من 20 فرداً «مسجلين» استولوا على مئات الأفدنة بالبحيرة، وأصبح كل شىء تحت سيطرتهم ولا يجرؤ أى صياد على الدخول للصيد، حتى لا تتم سرقة المركب الذى يعمل عليه، أو يصيبه عيار نارى ينهى حياته. ويكشف الشاب العشريينى عن أن هناك مَن يساعد هؤلاء القتلة من مديرية أمن الدقهلية، وهو أيضاً الذى أبلغهم بقدوم الحملة الأمنية الأخيرة، حتى يهربوا قبل قدومها، وأخص تحديداً العميد «ش. ر» رئيس قطاع مباحث الجمالية، الذى قدمنا ضده العديد من الشكاوى ولكن لم يستجِب لنا أحد. ويكمل «حسن»: «كل شاب هنا لا يجد باب رزق آخر غير الصيد، فبعدما أصبح ممنوعاً عليه الخروج لممارسة عمله، اضطر لمزاولة العمل على تهريب السولار حتى يجد قوت يومه، ويستطيع الإنفاق على أسرته، فهنا البلد فقيرة وحالتها الاجتماعية سيئة، وازدات سوءاً بعدما تفحش هؤلاء المجرمون عقب الثورة وشيوع الانفلات الأمنى». الحكايات مع أهالى منطقة المطرية لا تتوقف، فحالات الخطف والقتل ازدادت بصورة كبيرة خلال الشهور القليلة الماضية، ولم يجد الأهالى سوى التظاهر أمام نقابة الصحفيين ووزارة الزراعة الأسبوع الماضى، حتى يستجيب لهم أحد بعدما طفح بهم الكيل. ويقول محمد حسان، مدير شركة استيراد وتصدير: المجرمون خطفوا «حمادة» ابنى فى شهر رمضان الماضى، وطلبوا فدية 3 ملايين جنيه حتى يتركوه، وكانوا يعذبونه بحرق السجائر، ويسمعوننى صوته وهو يصرخ من الألم، واستغثت بعدد من كبار البلد والشرطة وتعاونوا معى حتى دفعت 60 ألف جنيه وعاد بعد 5 أيام من خطفه، لكنه رجع منهك القوى وجسده به آثار حرق من التعذيب. الرجل الخمسينى ذو الجلباب الأبيض واللحية الكثيفة التى تملأ جنباب وجهه، صاحب وزير الداخلية فى جولته داخل البحيرة، وصافحه على انفراد، قائلاً له إن «البلطجية روعونا على مدار عام ونصف ولا نستطيع الخروج من منازلنا، وبعد الثورة لا يمكننا الخروج من منازلنا عقب صلاة العشاء»، وقال إن الوزير وعده باستمرار الحملة وتكثيفها على المنطقة كلها، حتى يتم القضاء على كل المجرمين المتواجدين بها. ويقول سائق المركب المرافق لوزير الداخلية فى جولته داخل البحيرة ويدعى حمدى الشاعر (38 سنة): «منذ 6 شهور لا أعمل وأول مرة أنزل فيها البحيرة، وأنا عندى 5 أبناء اثنان ذكور وثلاث إناث، فنحن نخاف نخرج من بيوتنا ومن يخرج يودع أهله فيمكن ألا يراهم مرة أخرى». وأضاف وجيه الحسينى، من قرية العصافرة: «لا يمر وقت على صيادى البحيرة إلا ويرون فيه أو يسمعون عن قتيل أو غريق أحياناً بسبب البلطجية أو بسبب ملاحقات الشرطة أو بسبب غرق الصيادين لعدم وجود وسائل الأمان أثناء الصيد واتجاه الصيادين لسبل الصيد البدائى غير الآمن، وفى بيوت الصيادين كل شىء متشابه حتى ملامح الحزن والأمل وأهم ما يميزهم هو الصبر وإيمانهم بربنا، يعنى كل صياد بينزل البحيرة يرمى الشبك مش عارف هيرجع لبيته بإيه، ولا هيرجع أصلاً لأولاده أم لا، مع أن كل البلطجية معرفون لنا إلا أن عليهم أحكاماً بالسجن المؤبد أو الإعدام، وهؤلاء يكونون خطرين والتعامل معهم يكون بمثل ما يفهمون فقط، وهو السلاح ومن يقدر عليهم هى الحكومة». ويروى مصطفى عبدالرحمن أحد صيادى المنزلة ( 60 عاماً): لدى 5 أبناء، وورثت مهنة الصيد عن أبى وأجدادى، وليس لنا مصدر رزق آخر، لكن كان الرزق زمان كثير والآن أصبح شحيحاً لدرجة أنى أصطاد اللى يسد جوعى وجوع أولادى فقط، ولا يوجد لدى ما يمكننى من مساعدة أولادى على الزواج وكل واحد فيهم هيعتمد على نفسه، فبعد ردم البحيرة لم يتبق منها إلا القليل والباقى يسيطر عليه الصيادون الغيلان الذين يمتلكون القوارب الحديثة ويصطادون حتى الزريعة ولا يبقى لنا شىء. وأكد يسرى محمد «صياد» أن مشكلة الصيادين ليست فى البحر فقط بل فى البر أيضاً فلأننا آخر حدود الدقهلية فنحن محرومون من كافة الخدمات حتى الخدمة الصحية لا نجدها لدرجة أنه عندما ظهر فيروس «ملتحمة العين» وجدنا اهتماماً غير عادى، وبعد اختفاء موجة المرض لم نرَ مسئولاً واحداً يحضر إلينا. وخلال الخمسين عاماً الماضية اختفى أكثر من 80% من المسطح المائى لبحيرة المنزلة، بفعل عدم تجدد المياه المالحة بداخلها نتيجة إغلاق البواغيز المطلة على البحر المتوسط ونتيجة أعمال الردم والتجفيف والتجريف مما جعل مساحتها تنخفض من 750 ألف فدان حتى وصلت إلى أقل من 125 ألف فدان منها حوالى 100 ألف فدان تم الاستيلاء عليها من قبل بعض المواطنين والأسر والخارجين عن القانون وأصحاب النفوذ والسلطة وأصبح المسطح المائى الحقيقى والذى يمارس فيه الصيادون الصيد الحر لا يتجاوز 25 ألف فدان وهو الأمر الذى أدى إلى أن أصبحت البحيرة تطل على ثلاث محافظات فقط هى الدقهلية وبورسعيد ودمياط بعد أن كانت تطل على الشرقية والإسماعيلية أيضا، خصوصا بعد أن تم اقتطاع أجزاء منها لتدخل فى ترعة السلام وبعد إنشاء الطريق الدولى الساحلى الجديد الذى تسبب فى استقطاع جزء من المسطح المائى مساحته حوالى 17 كيلومتراً فى شمال البحيرة ويبلغ إنتاج البحيرة السنوى من الأسماك 52 ألف طن سنويا بعد أن كان يزيد على 100 ألف طن نتيجة مشاكل التلوث وانتشار البلطجيه والخارجين عن القانون داخل البحيرة بالإضافة لتجارة السلاح والمخدرات والتنقيب والاتجار فى الآثار فى منطقة تنيس وابن سلام وانقرضت أنواع كثيرة من الطيور المهاجرة ومن أسماك المياه المالحة مثل البورى والطوبار والقاروص المنقط وأصبح لا يوجد بها سوى أسماك المياه العذبة كالبلطى الأخضر والبلطى الأبيض والقرموط. ويلقى مصرف بحر البقر بكميات ضخمة يوميا من الصرف الصحى والزراعى والصناعى داخل البحيرة مما جعله يدمر الحياة البرية فى البحيرة.