فى الوقت الذى يلعب فيه الظلام دور البطولة فى كل أنحاء جمهورية مصر العربية، حتى طالت ظلاله المنشآت الحيوية المهمة مثل مترو الأنفاق والبورصة، فإن مناطق بعينها ظلت بعيدة عن مرمى انقطاع الكهرباء، سكانها محظوظون بجيرانهم من كبار المسئولين فى الدولة، والعاملون فيها يتمنون لو أن بيدهم البقاء طيلة اليوم فيها حتى لا يعودوا لمناطقهم التى تطولها الانقطاعات الكهربائية لساعات طويلة. شارع المساحة بمنطقة الدقى لا يعرف شيئا عن انقطاعات الكهرباء التى يصرخ منها المواطنون ليل نهار، وإذا سئل أحد سكانه عن السبب؟ جاءت الإجابة بلا تردد: «إحنا جيران رئيس الحكومة»، الدكتور هشام قنديل، رئيس الوزراء، وأحد سكان المنطقة، صرح مؤخرا بأن ترشيد استخدام الكهرباء سيكون اختياريا هذا العام، لكنه سيكون إجباريا فى الصيف المقبل، وجاءت الصدمة الكبرى عندما دعا رئيس الوزراء جموع المواطنين لمواجهة انقطاع التيار الكهربائى، ومن ثم توقف أجهزة التكييف عن العمل، عن طريق ارتداء الملابس القطنية؛ لأنها تقلل من الشعور بدرجة الحرارة، ما يسهم فى تقليل الاعتماد على أجهزة التكييفات كثيفة الاستهلاك للكهرباء. «الوطن» قامت بجولة فى منطقة سكن رئيس الوزراء لنرصد حالة انقطاعات الكهرباء هناك، رصدنا وصولها إلى الشارع الذى يسكنه «قنديل» 24 ساعة دون انقطاع، ولم يقتصر الأمر بالطبع على عمارته فقط، بل إن العمارات والمحال فى نفس الشارع كان لها نصيب أيضا بحكم الجيرة، وعلى غير حال مستشفيات مصر، التى تعانى من خسائر كبيرة بسبب انقطاع التيار الكهربى، فإن مستشفى «أم الأطباء» الموجود فى شارع المساحة لا يعانى من تلك الأزمة، بل إن أحد الأطباء العاملين به قال: «لا توجد أى أزمة لدينا، فالكهرباء لم تنقطع هنا ولو لمرة واحدة ونتمنى أن يظل الحال كذلك فما نسمع عنه من خسائر فى الأرواح وخسائر مادية بسبب الانقطاع الكهربى فى المستشفيات يجعلنا ندعو الله أن يديم علينا نعمة الكهرباء ونعمة سكن رئيس الوزراء فى هذا الشارع». على بعد خطوات من مسكن قنديل توجد مغسلة للملابس، يقول شعبان جمال، أحد العاملين بها: «من بعد ما هشام بيه حلف اليمين والكهرباء مبتقطعش عندنا أبدا»، أما أحد العاملين فى كوافير للرجال فقال: «يقطعوا علينا النور إزاى، والباشا ساكن جنبنا ده حتى يبقى عيب فى حقه». منال، إحدى العاملات فى مركز القاهرة للكبد فى شارع ثروت، أحد الشوارع المتفرعة من شارع المساحة، تقول: «أنا من سكان السيدة زينب والأجهزة عندنا باظت من كتر قطع الكهرباء إنما هنا عمرها ما قطعت لدرجة أنى مبحبش أروح البيت وأقعد هنا فى التكييف». الحال نفسه وصفه كريم شلبى، أحد العاملين فى محل للأدوات الكهربائية، قائلا: «الكهرباء ما بتقطعش هنا أبدا يعنى البلد كلها بتضلم إلا هنا عشان كده مبحبش، أروح بيتنا وبقعد هنا قدام المراوح». على بعد خطوات من شارع المساحة توجد لافتة مكتوب عليها «شارع الخطيب» سكان هذا الشارع ليسوا من المحظوظين برغم قربهم من مسكن رئيس الوزراء، فالكهرباء كثيرا ما تقطع وقد يمتد الأمر لساعات طويلة. قال محمد، حارس عقار فى شارع الخطيب: «النور قطع من يومين من الساعة 6 إلى 8 ونص، وكان منور فى العمارة اللى جنبى عشان هى تبع شارع المساحة ونفسى أعرف المسئولين عن الكهرباء بيقدروا إزاى يقطعوا الكهرباء عن شارع وشارع لأ». يستنكر سليمان محمود، أحد سكان المنطقة، التصريحات التى أدلى بها قنديل عن ترشيد الكهرباء وعن ارتداء الملابس القطنية كحل للأزمة، ويقول: «أنا باقترح عليه ييجى يقعد معانا فى الحر ساعة أو ساعتين وأنا متأكد إنه هيعيد تفكيره تانى فى موضوع القطن ده». أما محمد سليمان، صاحب كشك فى شارع صالح سليم بالمنطقة ذاتها، فيقول: «الكهرباء بتقطع عندنا هنا ساعتين كل يوم على الأقل وكلنا عارفين إنها مبتقطعش أبدا فى شارع رئيس الوزراء لكن هنعمل إيه ما هو ده بقى الحال فى البلد كلها».