شهد الأسبوع الجارى بدء جولة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة استضافتها القاهرة، وتزامنت هذه المرة مع تصعيد متبادل بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله اللبناني، عبر إطلاق مئات الصواريخ من الجانبين ما حمل إشارات على أن تواجد الوفد الإسرائيلى فى مصر لن يكون متحمسا لإنجاز صفقة طال انتظارها، وسط توقعات باستمرار التصعيد فى المنطقة مع فشل دولة الاحتلال فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية التى ترى بأن الوصول إليها يمكن أن يقودها لوقف الحرب. ◄ ضربات إسرائيل وحزب الله تستهدف مفاوضات القاهرة ◄ فشل نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب يدفعه لخلق الأزمات ◄ إنجاز صفقة الآن يعنى انتصارًا لوزير الدفاع يوآف جالانت ■ جرائم الاحتلال في غزة قال مسئول في «حزب الله» اللبنانى إن هجوم الجماعة بصواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل، رداً على اغتيال القائد العسكرى فؤاد شكر، الشهر الماضي، تأخر لاعتبارات سياسية، على رأسها المحادثات الجارية بشأن وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن من قطاع غزة. وأضاف المسئول، فى تعليقات مكتوبة نشرتها وسائل إعلام، إن الجماعة عملت للتأكد من أن ردها على اغتيال فؤاد شُكر فى 30 يوليو، لن يشعل حرباً واسعة النطاق. قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن الهجوم الذى شنه الجيش على جنوبلبنان، والهجمات التى شنها «حزب الله» اللبنانى على شمال إسرائيل «ليست نهاية القصة»، مشيراً فى أعقاب الغارات المتبادلة على جانبى الحدود بين إسرائيل ولبنان، إلى أن «حزب الله يوجه لنا ضربات قوية ومفاجئة». ■ آثار الدمار في قطاع غزة ◄ الأحاديث الإيجابية وتتكرر بشكل مستمر الأحاديث الإيجابية من جانب الولاياتالمتحدة عن إمكانية الوصول إلى اتفاق يُفضى لإطلاق سراح الأسرى من الجانبين ومن ثم إقرار هدنة لتنفيذها، لكن فى كل مرة تنتهى المباحثات إلى لا شيء، ورغم أن البعض ينظر إلى مفاوضات القاهرة الحالية باعتبارها «مفصلية» لأنها ستحدد ما إذا كان هناك نوايا إيجابية بالمضى قُدما نحو التهدئة أو أنها ستدفع نحو تصعيد يقول محور المقاومة (إيران وأذرعها)، إنه تأخر لترك الفرصة للمفاوضات من أجل النجاح، لكن الواقع يشير إلى أن عوامل نجاح المباحثات لا تتضح بصورة كبيرة هذه المرة. وتحاول إسرائيل الهروب من القضية الأساسية المرتبطة بصراعها مع حركة حماس لاختلاق أزمة مع مصر بشأن محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، ويعنى ذلك أنها وضعت أسسا جديدة للتفاوض قد تكون أكثر تشدداً من التى جرى الحديث عنها عبر المبادرة الأمريكية، وبالتالى فإن فك التعقيدات الجديدة سيكون بحاجة لمزيد من الوقت. وفي المقابل فإن إنجاز صفقة الآن يُعنى انتصاراً لوزير الدفاع يوآف جالانت على رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نتنياهو على وقع الشد والجذب المتبادل بين الطرفين خلال الأيام الماضية، ومن المتوقع أن يقود ذلك لمزيد من التعقيدات الداخلية فى إسرائيل وبالتالى ستكون هناك محاولات لأن تظل الأمور كما هى عليه الآن دون الوصول إلى اتفاق كامل أو إعلان نهائى لفشل المفاوضات قد يضاعف الضغوطات على نتنياهو فى الداخل. ◄ اقرأ أيضًا | هشام الحلبي: إسرائيل تأثرت اقتصاديًا أكثر جراء الضربات المتبادلة مع حزب الله ◄ أهداف استراتيجية وقال الدكتور سعيد صادق، أستاذ دراسات السلام، بالجامعة المصرية اليابانية، إن إسرائيل لديها أهداف استراتيجية ثابتة لن تتخلى عنها ولم تحققها حتى الآن وتتمثل فى تدمير البرنامج النووى الإيرانى وتدمير قدرات حركة حماس، وإبعاد حزب الله عن الجنوباللبنانى بما يسمح بعودة المستوطنين قرب الحدود الشمالية مع لبنان، مشيراً إلى أن عدم تحقيق أى من هذه الأهداف سيجعلها بشكل مستمر تبحث عن اختلاق أزمات ومشكلات أخرى مثلما الوضع حاليا مع مصر. وأوضح أن مشكلة إسرائيل منذ البداية مع حركة حماس فى قطاع غزة، لكنها الآن تعمل على النفخ فى مشكلة تواجد عناصرها فى محور فيلادليفيا وهى أزمة مختلفة لكنها تستهدف التغطية على الفشل الإسرائيلي، مشيراً إلى أن المشكلة يسهل حلها لكن الاحتلال يعمل على افتعالها مع الأخذ فى الاعتبار أنه لم يقضِ على حركة حماس ولم يبعد حزب الله عن الجنوباللبنانى ولم يتمكن من الاقتراب من البرنامج النووى الإيراني، بالرغم من الحشد الأمريكى الكبير إلى جانب إسرائيل فى المنطقة لكن حتى الآن لم تجد إسرائيل الفرصة المواتية. وذكر أن الإدارة الأمريكية جاءت إلى القاهرة هذه المرة لكى تظهر أمام الناخب الأمريكى بأنها تسعى للوصول إلى حل، ويشى بأن هناك تفاؤلا بشأن المباحثات فى حين أن ذلك من الصعب أن يتحقق لأن حماس أيضَا لن تقبل سوى بوقف كامل لإطلاق النار وهو ما ترفضه إسرائيل والولاياتالمتحدة باعتبار أن ذلك سيعد انتصاراً لمحور حزب الله وإيران ومن خلفهم روسيا. ◄ انخراط إيران وشدد فى الوقت ذاته على أن توسيع دائرة الحرب فى المنطقة أيضا أمر ليس بالسهل لأن إسرائيل ليس لديها القوات التى تمكنها الانتشار فى مواقع جغرافية شاسعة، وفى كل الحالات فإن الاتفاق بين الإدارات الأمريكية على أن دعم إسرائيل أولوية مطلقة لها فى الشرق الأوسط يجعل الانخراط الأمريكى حاضراً لكن وقفاً بما لا يؤثر على أمن إسرائيل. وأكد أن عدم انخراط إيران فى الرد بقوة على اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية يبرهن على أن الحكومة هناك لديها حساباتها الدقيقة، إذ إنها تدرك بأنها قد تخسر كثيراً فى حال قامت بالرد وتدرك بأن برنامجها النووى سيبقى مهدداً، كما أن الدعم الأمريكى لإسرائيل لا يقارن بالدعم الذى تقدمه روسيا إلى إيران وبالتالى فإن الاستمرار فى نهج التصعيد سيكون سائداً بخاصة أن موسكو منشغلة بحربها مع أوكرانيا. وتأتى التطورات العسكرية بين إسرائيل وحزب الله بعد أن وصل إلى القاهرة وفد من حركة حماس برئاسة عضو المكتب السياسى ومسئول ملف المفاوضات فى الحركة خليل الحية، بدعوة من الوسطاء فى مصر وقطر، للاطلاع على نتائج المفاوضات الأخيرة، وإن لم يشارك وفد الحركة بالمباحثات، فيما أعلنت دولة الاحتلال أن وفدا يضم رئيسى جهازى الموساد دافيد برنياع والشاباك، رونين بار، وصل إلى القاهرة «للدفع قدما نحو اتفاق (للإفراج) عن الرهائن». وأكدت واشنطن أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية «سى آى إيه» وليام بيرنز وصل بدوره إلى القاهرة، فى حين قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكي، جون كيربي، للصحفيين: «جرى تحقيق تقدم. نحتاج الآن لأن يعمل الطرفان من أجل التنفيذ». ◄ الجبهة اللبنانية حذّرت وزارة الخارجية المصرية، من مخاطر فتح جبهة حرب جديدة فى لبنان، وذلك فى أعقاب تجدد الاشتباكات بين «حزب الله» اللبنانى وإسرائيل. وقالت الوزارة، فى بيان، «إن مصر تتابع بقلق بالغ التصعيد الجارى على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، داعيةً لضرورة تكاتف الجهود الدولية والإقليمية من أجل خفض حدة التوتر وعدم الاستقرار فى المنطقة، والعمل على إقرار التهدئة واحتواء التصعيد»، كما شددت على «أهمية الحفاظ على استقرار لبنان وسيادته وتجنيبه مخاطر انزلاق المنطقة إلى حالة عدم استقرار شاملة». ويهدد تبادل إطلاق النار الكثيف بإشعال حرب شاملة قد تجذب الولاياتالمتحدةوإيران والجماعات المسلحة فى جميع أنحاء المنطقة. كما قد ينسف الجهود الرامية إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار فى غزة، منذ بدء العدوان الإسرائيلى على القطاع قبل 10 أشهر. وقال هانى الجمل، الباحث فى الشئون الإقليمية والدولية، إن الأوضاع تتأزم بشأن مفاوضات الهدنة فى ظل مساعى نقل الدور المصرى كطرف وسيط ولديه من النزاهة الكافية للقدرة على وقف الحرب إلى طرف حالى فى الصراع، تحديداً منذ الزيارة التاسعة التى قام بها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن إلى المنطقة الأسبوع الماضي، بعد أن حاول الضغط على القاهرة للقبول بالخرائط الثمانية التى حددها الاحتلال الإسرائيلى للبقاء فى محور فيلادلفيا، وهو ما يعارض اتفاقية كامب ديفيد والملحق الأمنى الخاص بها الموقع فى العام 2005، وهو ما قاد مصر لاستخدام الدبلوماسية الخشنة ضد محاولات فرض الأمر الواقع. ◄ الصبر الاستراتيچي وأضاف أن الولاياتالمتحدة في المقابل لم تستطع الانتقال من طرف حليف رئيسى لإسرائيل إلى وسيط مقبول بنزاهته رغم أنها ترعى عملية السلام بين مصر وإسرائيل غير أن الإدارة الحالية تحاول أن تضع معايير جديدة لاتفاقية كامب ديفيد ترفضها مصر لمساسها بالأمن القومى المصري، مشيراً إلى أن إسرائيل قد تذهب باتجاه حلحلة مواقفها المتعنتة بشأن محور صلاح الدين لكنها في نفس الوقت سوف تبقى الباب مفتوحا لتنفيذ رغبتها وهو ما يظهر من خلال التسريبات التى ظهرت بشأن تقديمها وعودا للانسحاب من المحور دون تحديد أمد زمني. وأشار إلى أن القاهرة تحاول استخدام الصبر الاستراتيجى مع كل ما يحاك حولها من مساعٍ لعرقلة الوصول إلى هدنة، لافتا إلى أنه لا خلاف بين إسرائيل والولاياتالمتحدة على أهداف الاحتلال الاستراتيجية بالمنطقة لكن الخلاف يبقى فى طريقة التنفيذ وتخشى الإدارة الأمريكية أن تنزلق المنطقة إلى حرب موسعة قد لا يكون بمقدرتها وقفها.