فى يناير 2019، خلال عملية استخباراتية أطلق عليها الاحتلال الإسرائيلى «درع الشمال»، أعلنت إسرائيل العثور على ستة أنفاق هجومية داخل المستوطناتت المحاذية للحدود مع الجنوب اللبنانى، زاعمة أن حزب الله حفرها ضمن خطة عملياتية لضخ قوات عسكرية من وحدة «الرضوان» إلى الداخل الإسرائيلي من أجل السيطرة على «الجليل» المحتل. مر ما يزيد على خمسة أعوام، وكانت المفاجأة أن التسلل إلى الداخل الإسرائيلى جاء من غزة عبر الهجوم الذى شنته حماس فى«طوفان الأقصى»، وقد أكدت الصحف العبرية، فى رواية نقلتها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية فى تقرير نشرته بتاريخ 21 فبراير الماضى، أن حزب الله يمتلك «شبكة أنفاق مترامية» يبلغ طولها مئات الكيلومترات، وهى أكثر تشعبًا من أنفاق حماس فى غزة، وسط تحذيرات من اختراقات جديدة للمستوطنات الإسرائيلية. رئيس التحرير التنفيذى السابق لهيئة البث الإسرائيلية، يونى بن مناحيم، جدد الحديث عن أنفاق حزب الله، فى مقال نشره بشأن الغموض الذى يحيط بموعد وكيفية رد إيران وحزب الله على اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية، أمس، وقد حذر الإعلامى، المقرب من الجهات الأمنية الإسرائيلية، متسائلًا عن إمكانية تكرار سيناريو الطوفان من الجهة اللبنانية؟ مأزق وتصعيد على جبهات متعددة وتواجه حكومة الاحتلال حالة من التوتر والتصعيد المتدرج على جبهات متعددة فى الداخل الإسرائيلى وعلى الحدود الملتهبة فى الجبهة المحاذية للجنوب اللبنانى، بينما حزب الله وخلفه إيران يحيطان بهالة من الغموض على موعد خططهما «لمهاجمة إسرائيل» ردًّا على اغتيال القيادى بحزب الله فؤاد شكر، ورئيس المكتب السياسى لحركة حماس، إسماعيل هنية، ويشنان معًا «حربًا نفسية» تجبر مستوطنى الداخل الإسرائيلى على التزام الملاجئ، وسط حالة تأهب أمنى قصوى وتساؤلات بشأن تكرار سيناريو طوفان الأقصى من الجهة اللبنانية، وما إذا كان الرد المرتقب مشتركًا ومتزامنًا من جبهات متعددة أم سيظل مقصورًا على حزب الله وفى نطاق محدود. تحديات وتباينات وأمريكا تتبع سياسة «العصا والجزرة» التحديات والتباينات فى المواقف والاستراتيجيات بشأن الرد الإيرانى تصدرت عناوين الصحف العبرية، وشغلت محللو دولة الاحتلال السياسيين والعسكريين، الذين طرحوا تساؤلات عديدة حول ما إذا كانت طهران ستدفع برد قوى ومفاجئ أم أنها لن تقوى على سياسة «العصا والجزرة» التى تتبعها واشنطن بتهديدها بإسناد وحماية إسرائيل تارة وحديثها عن تجنيب الأطراف جميعًا مغبة الحرب الإقليمية الموسعة مع تقديم إغراءات بشأن استئناف مفاوضات البرنامج النووى ورفع بعض العقوبات الاقتصادية عن طهران لإثنائها عن الرد على تل أبيب تارة أخرى. مخاوف من تسلل و«طوفان لبناني» وتناول مقال تحليلى فى صحيفة «معاريف» سيناريوهات الهجوم المرتقب من قِبَل إيران وحزب الله، وطبيعة الاستعداد والرد الإسرائيلى عليه، معتبرًا أن الخطر الأساسى والرئيسى يكمن فى الجبهة اللبنانية، التى قد تباغت إسرائيل ب«طوفان أقصى جديد» نظرًا لامتلاك حزب الله سلسلة أنفاق مشابهة لأنفاق غزة. وأفادت الصحيفة بأن إسرائيل تترقب تكرار سيناريو الطوفان وتستعد لمواجهة تسلل قوة الرضوان التابعة لحزب الله فى منطقة الجليل؛ إذ تشن حالة تأهب قصوى وانتشار أمنى موسع لوحدات النخبة على تلك النقاط المحاذية للجنوب اللبنانى، مؤكدة دفع الشرطة والجيش بحواجز وتحصينات خرسانية لتكوّن خطوطًا دفاعية حال تمكن مقاتلو حزب الله من التغلب على القوات الإسرائيلية المتمركزة. حزب الله وإيران يتبعان سياسة الصير الاستراتيجي وقال تقرير بصحيفة «هاآرتس» إن حزب الله وإيران بصدد التجهيز لرد قوى، لافتًا إلى أنهما يتبعان سياسة الصبر الاستراتيجى. واستشهد التقرير، الذى أعده محلل الصحيفة للشؤون الاستراتيجية، تسفى بارل، بخطاب الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، هذا الأسبوع، والذى قال فيه إن الطريقة الصحيحة للرد على اغتيال فؤاد شكر وإسماعيل هنية «يجب ألا تكون انفعالية»، إنما «تكون ردًّا محسوبًا وبطيئًا»، معتبرًا أن: «حزب الله كان عازمًا على الرد الفورى عبر تسلل أشبه ب(طوفان الأقصى)، لكن إيران ألزمت (نصرالله) بإرجاء الرد». اعتبارات تحول دون الانخراط في حرب موسعة وتحت عنوان «بين غزة والنووى»، استبعد المحلل العسكرى فى صحيفة «هاآرتس»، عاموس هرئيل، سيناريو «الحرب اللإقليمية»، مستشهدًا بوجود اعتبارات لجميع الأطراف باحتواء الهجمات المتبادلة لتجنب هذا السيناريو كون إيران على أعتاب إتمام برنامجها النووى، ما سيُجنبها أى خطوات تصعيدية. لكن الباحث الإسرائيلى أكد جاهزية إسرائيل لأى رد إيرانى واستعداد سلاح الجو التابع لجيش الاحتلال لقصف أهداف فى العمق الإيرانى، وهو السيناريو الذى لن يكون من مصلحة أحد، وفق تعبيره. هل تنجحخ واشنطن في ثني طهران عن الرد ورجح «هرئيل» أن سياسة العصا والجزرة الأمريكية وتهديداتها المبطنة المتزامنة مع سعيها للتهدئة يمكنها أن تُثنى إيران وخلفها حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن والجماعات المسلحة فى العراق عن أى رد غير محسوب، مرجحًا أنهم سيضطرون للرد فى نطاقات محدودة لتجنب مواجهة شاملة تخرج عن السيطرة. لكن المحلل الإسرائيلى اعتبر أن الحرب الشاملة قادمة لا محالة فى المستقبل القريب، داعيًا إلى هجوم استباقى إسرائيلى على الجنوب اللبنانى كما حدث عام 2006. ضربة مباغتة وقوبة على خلاف ضرية أبريل المحلل الفلسطينى، يوسف شرقاوى، قال إن احتمال تكرار سيناريو الطوفان وارد نظرًا لوجود« أنفاق دفاعية-هجومية» لدى حزب الله، الذى يعتمد فى حربه مع إسرائيل على عنصر المفاجأة. ورجح سيناريو الضربة المتزامنة من قِبَل إيران وحزب الله، مؤكدًا أن إيران قادرة على توجيه «ضربة مباغتة وقوية» ضد أهداف عالية القيمة داخل «إسرائيل»، معتبرًا أن الغموض الذى يحيط بموعد وكيفية الضربة يفيد بأنها قد تكون «مفاجئة» على خلاف الضربة السابقة فى إبريل، مؤكدًا أن إسرائيل مستعدة لسيناريو الحرب الإقليمية، لكنها فى انتظار الحصول على ضوء أخضر أمريكى، كونها لا يمكنها خوض حرب كهذه دون مشاركة واشنطن وحلفائها الغربيين. وقال المحلل الفلسطينى، صلاح عبدالعاطى، إن سيناريو «الحرب الموسعة» لا يزال قائمًا، مؤكدًا أن إسرائيل فى مأزق؛ فبينما اليمين يدفع نحو توريط المنطقة فى حرب إقليمية، تدور فى الداخل الإسرائيلى «نذر حرب أهلية»، معتبرًا أن المفاوضات ما هى إلا غطاء لضمان وقف مفاعيل أى تحرك داخلى. وأضاف أن الولاياتالمتحدة تبذل جهودًا لتحجيم مفاعيل هذه الحرب، مستشهدًا بإحضارها 40 ألف عسكرى إلى المنطقة، مع استمرارها فى محاولتها لإثناء إيران عن الرد على إسرائيل عبر إغراءات متعددة كالإفراج عن بعض الأموال المحتجزة والعودة إلى مباحثات الاتفاق النووى، لكن إسرائيل تستعد لسيناريو الحرب الموسعة، وتحضر لتدمير لبنان ومنشآتها الحيوية، مع تهديد المنشآت النووية الإيرانية؛ مختتمًا بأن إسرائيل بجنونها تصبح خطرًا على العالم، حيث لم يعد أحد يتوقع ماذا سيفعل نتنياهو. لكن المحلل السياسى الفلسطينى، الدكتور أيمن الرقب، استبعد هذا السيناريو، موضحًا أن حديث الإسرائيليين عن تكرار سيناريو «طوفان الأقصى» يأتى انطلاقًا من مقطع مصور بثه الإعلام العسكرى لحزب الله اللبنانى يشبه استعدادات حماس لعملية السابع من أكتوبر، معتبرًا أن المقطع جاء فى إطار حرب نفسية يشنها حزب الله على الاحتلال ومستوطنيه ليبقوا فى الملاجئ. ورجح أن رد حزب الله سيكون «محدودًا» فى إطار «حرب استنزاف» بين الجانبين، يستعين خلالها حزب الله بالمسيرات الانقضاضية، على الأقل على المستوى المنظور، لتظل إسرائيل أمام سيناريوهين أولهما استمرار المواجهات مع حزب الله فى إطار طويل الأمد، حيث سيشن الاحتلال هجمات متكررة على الجنوب اللبنانى، فى حين يواصل حزب الله مهاجمة المستوطنات المحاذية له، وهذا الشكل يُرضى إيران، التى تتجنب سيناريو الحرب الموسعة، أما السيناريو الثانى فهو أن تستبق إسرائيل بهجوم موسع أشد شراسة على الجنوب، كما حدث فى عام 2006.