هذا الحلم عندى يتجاوز حدود أن نكون مجرد مستهلكين للمعرفة لنخترق سقوف إنتاجها، والانتظام فى مصاف الذين يملكون القدرات الإبداعية المؤهلة، للمنافسة على احتلال موقع قريب من قمة هرم المعرفة، التى لا تكف عن الارتفاع بمعدلات شديدة التسارع، ولا ضمان لحجز مكان على خريطة المستقبل، إلا عبر امتلاك القدرة على إنتاج المعرفة، والولوج بقوة ورسوخ إلى عوالمها اللامحدودة. فى جميع تجارب المجتمعات التى اخترقت حاجز الحداثة، وما بعدها، واجتازت عتبات ثورات التصنيع وتجهز أدواتها لمزيد من الوثبات لصناعة مستقبل رحيب، يضمن لها أن تتسيد عالم الغد، وما بعده، قراءة تلك التجارب يقود إلى استنتاج أهم عوامل بلوغها هذه المكانة: إنه السعى الدءوب المتواصل دون كلل لامتلاك مفاتيح المعرفة، والسيطرة على دروبها، والقفز فوق حقولها المتباينة. المهمومون حقا بمستقبل الوطن، لا بديل أمامهم سوى استهداف التحول إلى صيغة «مجتمع المعرفة»، والسعى لتحويل الحلم إلى واقع نلامسه ويلاسمنا. ولاشك أن الأمر لن يتحقق بيسر أو سهولة، لكنه يتطلب بذل الكثير من الجهود لاسيما فى مجال التعليم والتدريب والتثقيف، وتوفير المناخ الملائم، والأدوات الكفيلة بإنجاز ثورات حقيقية فى هذه المجالات، وصولا إلى اعتبار الحق فى المعرفة رافدا أساسيا من روافد حقوق الإنسان. القضية الآن ليست حيازة المعرفة، وإنما تثمينها قوة تفوق ما عداها من عناصر القوة الشاملة، ومن ثم فلا بديل عن إنتاج المعرفة، الأمر الذى يتطلب إعداد أجيال مؤهلة وقادرة على، ليس فقط القيام بهذه المهمة، ولكن ضمان استمرارها وتطويرها وتسليم الراية لأجيال تكون أكثر قدرة على استيعاب نهر المعلومات المتدفق كل دقيقة، بل كل ثانية، فى ظل سباق بل صراع لا يرحم من لا يقدر على مواصلة المشاركة فيه. ولعل أول ما يتطلبه إنجاز حلم المعرفة، أن يكون محو الأمية المعرفية أولوية مطلقة، للساهرين على صناعة المستقبل، وتفعيل آليات بناء إنسان قادر على مجابهة تحديات غد، لا مكان فيه لجاهل أو نصف متعلم، أو إرباع المثقفين. حلم إنتاج المعرفة تحيطه صعوبات جمة، لكن إنجازه ضمانة مؤكدة للتقدم والنهضة فالمعرفة هى القوة الذكية التى تفوق ما عداها من قوى ناعمة وخشنة.