لا أفهم إطلاق المبادرة القومية لبناء مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر، إلا باعتبارها اشتباكا مع المستقبل، وإيمانا بأن العلم كفيل بتغيير جميع جوانب حياتنا، وان إدارة مستقبلنا في ظل تحديات وتهديدات غير مسبوقة يتطلب ما يتجاوز التعلم إلي امتلاك منهج واضح للتفكير، ثم قدرة علي الابتكار أساسها استيعاب التقنية تم انتاجها وتطويرها، ثم الكف -للابد- عن القبول بدور المتلقي، واستيراد المعرفة، والحصول علي ما نريد بفلوسنا -إن وجدت- وبطريقة "تسليم المفتاح". المبادرة التي ازاح عنها الستار الرئيس السيسي في عيد العلم، واعدها المجلس التخصصي للتعليم والبحث العلمي، يتطلب تفعيلها تفكيرا مختلفا بشأن المستقبل، يوفر اجابات محددة، لكنها مرنة، عن كل الاسئلة التي يفرضها الولوج إلي عالم الغد، وبسرعة تكفي لملاحقة الجديد، والمتغيرات المعقدة المتشابكة، حيث لن ينتظرنا أحد لترتيب اوراقنا، أو لملمة شأننا، بل بالعكس فإن ثمة من يترصدنا، ويتمني فشلنا، ويسعي لاعاقتنا، وإن بدت من هؤلاء أفعال تبدو في الظاهر عكس مخططاتهم ونواياهم. إننا نقف علي اعتاب لحظة فارقة لا تحتمل تناولا سطحيا أو إنشائيا للمبادرة المطروحة لخطة تفرضها علي الجميع قسوة التحولات علي كل الاصعدة، ولاخيار إلا أن نتحرك لتشكيل المستقبل الذي نرغب أن نكونه، وإلا فإن غيرنا سيفرض له ملامح تغيب عنها اختياراتنا ومصالحنا وغاياتنا. لا أمل في بناء وطن يحتل مكانته إلا ببناء جيل جديد قادر - بحق- علي ارتياد آفاق ومجالات تضاهي، ثم تتجاوز ما تخترق به الاجيال المناظرة الحاضر في المجتمعات التي تقود البشرية بقوة وذكاء نحو صناعة عالم مختلف. مصر تحتاج إلي عقول طازجة يتم تحفيزها بالعلم، واحترام نزوعها للتفكير الخلاق ثم انتظار منتجها من الابتكارات، هل هذا كثير؟