الأحاديث التى لا تصح وهى تلك الأحاديث الموزعة بين الباطل والموضوع والضعيف التى تم نسبها زورا للمصطفى صلوات الله وسلامه عليه، هى أقوى الأسلحة التى يعتمد عليها أعداء الإسلام فى زرع الفتن بين المسلمين بعضهم البعض، ولعل مهرجانات العداوة بين أصحاب المذاهب المختلفة والفرق المختلفة، التى تتعارك على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي، صارت هى الصورة التى تسعد أعداء الإسلام فى الداخل والخارج. بل إن هذه الأحاديث الموضوعة المثيرة هى الشغل الشاغل للعلماء من «العلماء» الذين نجح الموساد الإسرائيلى فى زرعهم داخل الدول العربية والإسلامية تحت أسماء مستعارة هى السلاح الأيسر لبث المزيد من الفرقة بين المسلمين. فهم يستخدمون الأحاديث المكذوبة ببراعة فى تقديم صورة مشوهة للإسلام الحنيف أمام غير المسلمين باعتباره الدين الذى يدعو إلى التطرف والإرهاب كوسيلة للانتشار «بحد السيف». وهم ينجحون فى ذلك على رغم تأكيد القرآن الكريم - المركز الرئيسى للإسلام الذى دعا إليه كل الأنبياء والرسل انتهاء بخاتم الأنبياء والرسل محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه - فى الآية 99 من سورة يونس «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ». وتعتبر الموسوعة الحديثية وهى جزء من موسوعة الدرر السنية مرجعا مهما لكى يتعرف المسلمون على تلك الأحاديث التى لا تصح. وتضم هذه الموسوعة مئات الألوف من الأحاديث مع أحكام المحدثين (المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين) عليها، مستخرجة من كتبهم، ويمكن البحث فى هذه الموسوعة عن حكم أى حديث من خلال محرك بحث سريع وآخر متقدم، مع إمكانية اختيار البحث ضمن الصحيح فقط أو الضعيف فقط أو الجميع. واعتبرت هذه الموسوعة نحو 23 حديثا منسوبا لرسول الله عليه الصلاة والسلام بخصوص عاشوراء من نوعية الأحاديث غير الصحيحة لكونها بين الباطل والموضوع والضعيف . والحديث الصحيح الوحيد الذى أخرجه البخارى ومسلم عن عبد الله بن العباس رضى الله عنهما: «قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ المدينةَ فرأَى اليهودَ يصومونَ يومَ عاشوراءَ فقال لهم: ما هذا اليومَ الذى تَصومونهُ قالوا: هذا يومٌ صالحٌ هذا يومٌ نَجَّى اللهُ فيه بَنِى إسرائيلَ من عدُوِّهم فصامهُ موسى عليهِ السلامُ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أنا أحقُّ بِموسَى منكم فصامهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأَمَرَ بصومِه». و كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَأمُرُ أصحابَهُ بِصَومِ يومِ عاشوراءَ قَبْلَ أنْ يُفرَضَ صِيامُ رَمَضانَ لفَضْلِ ذلك اليومِ، فلمَّا فُرِضَ صِيامُ رَمضانَ تَرَكَ أمْرَهم بِصيامِه، ولكنَّه صارَ تَطوُّعًا لمَن أراد. ونبدأ ببيان الأحاديث غير الصحيحة المتعلقة بيوم عاشوراء بمقولة «من وسَّع على عياله يوم عاشوراء، وسَّع الله عليه سائر سَنته» ، وكذلك القول «من أحيا ليلة عاشوراء، فكأنما عبد الله مثل عبادة أهل السموات السبع، ومن صلى أربع ركعات يقرأ فى كل ركعة بالحمد مرة، ومرة قل هو الله أحد، غفر الله له ذنوب خمسين عامًا ماضية، وخمسين مستقبلة، وبنَى له فى الملأ الأعلى ألف منبر من نور، ومن سقى شَربة ماء، فكأنما لم يعص الله طرفة عين». وهناك مقولة - ولا يصح أن أسميها حديثا «من صلى يوم عاشوراء ما بين الظهر والعصر أربع ركعات، يقرأ فى كل ركعة بفاتحة الكتاب مرة، وآية الكرسى عشر مرات، وقل هو الله أحد إحدى عشرة مرة، والمعوِّذتين خمس مرات، فإذا سلم استغفر اللهَ سبعين مرة، أعطاه الله فى الفردوس قُبَّةً بيضاء، فيها بيت من زمردة خضراء، سَعة ذلك البيت مثل الدنيا ثلاث مرات، وذلك البيت... إلخ». وأيضا «صلاة الخصماء، وهى أربع ركعات، يُصلِّيها فى يوم عاشوراء». وفى قول آخر «صلاة يوم عاشوراء ستُّ ركعات: فى الأولى بعد الفاتحة سورة الشمس، وفى الثانية إنا أنزلناه، وفى الثالثة إذا زلزلت، وفى الرابعة سورة الإخلاص، وفى الخامسة سورة الفلق، وفى السادسة سورة الناس، ويسجد بعد السلام، ويقرأ فيها قل يا أيها الكافرون سبع مرات، ويسأل الله حاجته». ثم «صلاة يوم عاشوراء عند الإشراق: يصلى ركعتين فى الأولى بعد الفاتحة آية الكرسي، وفى الثانية لو أنزلنا هذا القرآن إلى آخر سورة الحشر، ويقول بعد السلام: يا أوَّل الأوَّلين، ويا آخر الآخرين، لا إله إلا أنت، خلقت أول ما خلقت فى هذا اليوم، وتخلق آخر ما تخلق فى هذا اليوم، أعطنى فيه خير ما أوليت فيه أنبياءك وأصفياءك من ثواب البلايا، وأسهم لنا ما أعطيتهم فيه من الكرامة بحق محمد عليه الصلاة والسلام». وهناك مقولة «صلاة وقت السحر من ليلة عاشوراء وهي: أربع ركعات فى كل ركعة بعد الفاتحة يقرأ آية الكرسى ثلاث مرات وسورة الإخلاص إحدى عشرة مرة، وبعد الفراغ يقرأ سورة الإخلاص مئة مرة». وكذلك «صلاة ليلة عاشوراء مئة ركعة، فى كل ركعة يقرأ بعد الفاتحة سورة الإخلاص ثلاث مرات» ، وأيضا « من صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف شهيد»، وفى قول «من صام يوم عاشوراء أعطى ثواب عشرة آلاف ملك» أو «من صام يوم عاشوراء كتب الله له عبادة ستين سنة». والقول «من صام يوم عاشوراء أعطى ثواب حاج ومعتمر، ومن صام يوم عاشوراء أعطى ثواب سبع سموات ومن فيها من الملائكة، ومن أفطر عنده مؤمن فى يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، ومن أشبع جائعًا يوم عاشوراء فكأنما أطعم فقراء أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) وأشبع بطونهم، ومن مسح على رأس يتيم فى يوم عاشوراء رفعت له بكل شعرة على رأسه درجة فى الجنة.. كما أن هناك أقوالا أخرى مثل «إن الوحوش كانت تصوم يوم عاشوراء»، و«أن الصرد أول طائر صام يوم عاشوراء» ، أو «من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض إلا مرض الموت». وهناك «من أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء مر على الصراط كالبرق الخاطف»، وأيضا «من عاد مريضًا يوم عاشوراء فكأنما عاد مرضى ولد آدم كلهم»، و«من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه». وهناك مقولة «ما من عبد يبكى يوم قتل الحسين - يعنى يوم عاشوراء - إلا كان يوم القيامة مع أُولى العزم من الرسل». وتتواصل المقولات التى تنسب زورا وبهتانا للرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام «خُلق القلم يوم عاشوراء، واللوح كمثله، وخلق جبريل يوم عاشوراء، وملائكته يوم عاشوراء، وخُلق آدم يوم عاشوراء، وولد إبراهيم يوم عاشوراء، ونجاه الله من النار يوم عاشوراء، وفُدى إسماعيل يوم عاشوراء، وغرِق فرعون يوم عاشوراء، ورفع إدريس يوم عاشوراء، وتاب الله على آدم يوم عاشوراء، وغفر ذنب داود يوم عاشوراء، وأُعطى الملك سليمان يوم عاشوراء، وولد النبى يوم عاشوراء، واستوى الربُّ على العرش يوم عاشوراء، ويوم القيامة يوم عاشوراء» ثم «أنَّ الله خلق السموات والأرض يوم عاشوراء»، و«إن فى يوم عاشوراء توبةَ آدم، واستواء سفينة نوح على الجودي، وردَّ يوسف على يعقوب، ونجاة إبراهيم من النار». وبعدها «فى أول يوم من رجب ركب نوح فى السفينة، فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستة أشهر، فانتهى ذلك إلى المحرم، فاستوت السفينة على الجودى يوم عاشوراء، فصام نوح وأمَر جميعَ من معه من الوحش والدواب فصاموا شكرًا لله» . وأخيرا «فُلِق البحر لبنى إسرائيل يوم عاشوراء» . الدرجة لكل ما سبق هى أن كلها لا تصح، وهى ما بين باطل، وموضوع، وضعيف. وفى الأسبوع المقبل، إن كان فى العمر بقية، نواصل - بمشيئة الله تعالى - تبيان المزيد من الأحاديث المنسوبة زورا وبهتانا لنبينا أفضل الصلاة والسلام عليه .