"طاقة النواب" توافق على منحة أمريكية لمبادرة تغير المناخ    احتفالا ببدء العام الدراسي.. طلاب «بني سويف الأهلية» ينظمون ممرا شرفيا لرئيس الجامعة    جويتريش يشيد بحكمة وسياسة مصر الرشيدة    مدبولى: نسعى للحفاظ على تماسك الدولة في ظل التحديات الحالية    نتنياهو.. ‬تحت ‬الأرض !!‬    4 شهداء فلسطينيين في قصف للاحتلال الإسرائيلي لمخيم النصيرات وسط غزة    الرئيس الكوري الجنوبي يأمر بإرسال طائرة عسكرية لإجلاء رعاياه في الشرق الأوسط    انفراجة في أزمة فتوح.. مفاجأة بشأن زيزو.. إعلان مواعيد السوبر | نشرة الرياضة ½ اليوم 2-10-2024    وزارة إنتاجية «2»    شوقي غريب يحضر مواجهة الإسماعيلي 2005 أمام سموحة    ضبط 65 طن لحوم فاسدة خلال شهر سبتمبر الماضي    «خلطبيطة باند» تشعل حفل «جيلنا»    قبل عرضه.. تفاصيل دور أحمد مالك في «مطعم الحبايب»    جلال يضع اللمسات الأخيرة قبل افتتاح «المهرجان الدولي للفنون الشعبية»    سامية أبو النصر: نقول للشباب أن استرداد الأرض لم يكن سهلا ولكن بالحرب ثم التفاوض    قريبا.. افتتاح قسم الطواريء بمجمع الأقصر الطبي الدولي    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    بوتين يوقع قانونا يسمح بتجنيد المشتبه بهم جنائيا وتجنيبهم الملاحقة القضائية    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    ظاهرة فلكية تُزين السماء 6 ساعات.. متى كسوف الشمس 2024؟    هل تنتقم فاتن من زوجها بعد الشروع فى قتلها فى مسلسل برغم القانون    نص خطبة الجمعة المقبلة.. «نعمة النصر والإستفادة بدروسها في الثبات»    جولة بحرية بقناة السويس للفرق المشاركة بمهرجان الإسماعيلية الدولى للفنون الشعبية    محافظ الغربية يناقش مستجدات الموقف التنفيذي لمشروعات «التنمية الحضرية»    محافظ مطروح يناقش خطة إطلاق ندوات توعوية للمجتمع المدني بالتعاون مع القومي للاتصالات    حبس المتهم الهارب في واقعة سحر مؤمن زكريا المفبرك    مشاركة ناجحة لدار الشروق بمعرض الرياض الدولي للكتاب والإصدارات الحديثة ضمن الأكثر مبيعا    شيخ الأزهر يكرم طلاب «طب أسنان الأزهر» الفائزين في مسابقة كلية الجراحين بإنجلترا    رئيس جامعة الأزهر: الإسلام دعا إلى إعمار الأرض والحفاظ على البيئة    مقتل وإصابة 7 جنود من الجيش العراقي في اشتباكات مع داعش بكركوك    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    وزير الشباب والرياضة يتابع مجموعة ملفات عمل تنمية الشباب    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    الحوار الوطني.. ساحة مفتوحة لمناقشة قضايا الدعم النقدي واستيعاب كل المدارس الفكرية    حقوقيون خلال ندوة بالأمم المتحدة: استمرار العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان يقوض السلم والأمن الدوليين    وزير الثقافة يلتقي أعضاء نقابة الفنانين التشكيليين (صور)    جوارديولا: جوندوجان لعب أسوأ مباراة له ضد نيوكاسل.. وفودين ليس في أفضل حالاته    جهود «أمن المنافذ» بوزارة الداخلية فى مواجهة جرائم التهريب    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    متفوقا علي مبابي وبيلينجهام .. هالاند ينفرد بصدارة ترتيب أغلى اللاعبين فى العالم ب200 مليون يورو    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    جامعة المنوفية: إحالة عضو هيئة التدريس صاحب فيديو «الألفاظ البذيئة» للتحقيق (بيان رسمي)    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    الجمعة المقبل غرة شهر ربيع الآخر فلكياً لسنة 1446 هجريا    الكيلو ب185 جنيها.. منفذ "حياة كريمة" يوفر اللحوم بأسعار مخفضة بالمرج.. صور    بالصور.. 3600 سائح في جولة بشوارع بورسعيد    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    رحيل لاعب جديد عن الأهلي بسبب مارسيل كولر    وزير الداخلية يصدر قرارًا برد الجنسية المصرية ل24 شخصًا    ما حكم كتابة حرف «ص» بعد اسم النبي؟ الإفتاء توضح    سقوط 6 تشكيلات عصابية وكشف غموض 45 جريمة سرقة | صور    "أبوالريش" تستضيف مؤتمرًا دوليًا لعلاج اضطرابات كهرباء قلب الأطفال    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    خبير عسكري: إسرائيل دخلت حربًا شاملة ولن يوقفها أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنشودة الصخر والرمان
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 26 - 02 - 2023

يقال إن للسفر فوائد سبع ، من أهمها التعرف على الآخر من خلال ثقافته وفنونه ، لأن الفن يعكس هوية الشعوب ويختصرها، وفى أرمينيا، تتفاعل مكونات الهوية وتتناغم فى تآلفٍ عجيب، فاللغة والموسيقى والطبيعة من جبال وغابات وأنهار مع وجوه البشر تشترك جميعها فى سيمفونية سمعية بصرية شديدة الإحكام والجمال، فلا مجال هنا لنغمة شاذة أو لصوت نشاز، وكلما زرت أرمينيا لمست ذلك أكثر وأكثر.
كان تكرار هذا الإيقاع الثرى وتشابكه المعقد يفرض نفسه برشاقة على كل مناحى الحياة ، فأراه يتجلى فى التخطيط الهندسى للعاصمة «يريفان» بصرياً، وتكويناً فى تماثيلها وكتلها المتناثرة بدقة فى أنحائها، ولونياً فى اكتساء أبنيتها - القديم منها والحديث - بحجر ال «توف» البركانى بألوانه الوردى والرمادى والأسود، وصوتياً فى الإستماع إلى أحاديث الأرمن بلغتهم الفريدة الغنية بتعابيرها، وموسيقاهم وأغانيهم البلدية الشعبية العتيقة.
ويخلق كل ذلك تمازجاً عذباً، ووحدة ثقافية صلبة ، تعكس أصالة هذا البلد وتماسك مكونات هويته التى تعكس حضارته الممتدة لآلاف السنين والتى تروى الكثير عن أرمينيا وأهلها.
ولم تكن العوامل المذكورة - وعلى رأسها الطبيعية والجغرافية - فقط هى المحرك الرئيسى الفاعل فى تشكيل الهوية الثقافية للشعب الأرمني، بل كان للأحداث السياسية والحروب وما أفرزته من معاناة على مدى عقود طويلة دور كبير فى هذا التشكيل، وفما بين أحداث الإبادة العثمانية للأرمن والتى استمرت لأكثر من عقدين من الزمن ولكنها بلغت أوجها فى عام 1915 ، وسنوات الحكم السوفييتى السبعون، بالإضافة إلى حرب تحرير إقليم آرتساخ/ناغورنو-كاراباخ فى مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وحرب 2020 الأخيرة التى شنتها أذربيجان على الإقليم ذاته أشد الأثر فى تكوين المشهد الثقافى الأرمنى على صعيديه فى الداخل الأرمنى وعلى شتاته فى قارات العالم الست، بل ونراها ترمى بظلالها على الشعر والنحت والموسيقى والرقص والرواية والسينما وغيرها من القوالب الفنية.
قالبان فنيان شعرت أنهما قد يقربان للقارئ العربى ويوجزا له هذا الانعكاس الفريد للثقافة الأرمينية والتى تمزج بين تاريخ عريق يمتد لآلاف السنين بأهازيجه ومنحوتاته وشعره، وحاضر ثرى بموسيقاه وأدواته الفنية المعاصرة فى محاولة لإيجاد لغة جديدة تخلق جسوراً لتعرف الآخر بهوية أرمينيا الفريدة.
وأول هذين القالبين هو «الخاتشكار» أو «الصليب الحجري»، حيث اتخذ النحاتين الأرمن من بيئتهم الجبلية المحيطة وصخورها أدوات لتدوين أشكال مزخرفة، شديدة الدقة، تعكس المعتقد الإيمانى الأرمنى المسيحى بالأساس، بالإضافة الى الرموز الأرمنية القديمة كال «أريفا خاتش» أو «الصليب الشمسي» مع موتيفات نباتية للمزروعات والفواكه المحلية الأرمنية كالعنب والرمان واللذان يرتبطان إرتباطاً لصيقاً بأدبيات الشعب الأرمني.
فثمرة الرمان بحباتها الكثيرة على سبيل المثال ترمز إلى الشتات الأرمنى بعد أحداث الإبادة، وكيف - رغم التشتت - إلا أن ثمرة الرمان (والتى تمثل أرض أرمينيا الأم) استطاعت أن تحتضن أبناءها رغم غربتهم، أما العنب فيرتبط فى الذاكرة الأرمنية بشخصية النبى «نوح» فى الكتب المقدسة، حين رسى فلكه على جبال «آرارات» الأرمنية، فوجد فى سهله شجر العنب الذى أعد منه ألذ العصير.
ويقول صانع الخاتشكار الشاب «هامبيك ف. هامباردزوميان»: «إن الخاتشكار يعكس ما هو أكثر من مجرد دقة صناعته وحرفة نحاتيه، بل هو فى الحقيقة رمز يختصر الهوية الأرمنية بكل تفاصيلها، تاريخها، أحزانها، نضالها من أجل البقاء، وأكثر.
والأهم، أنه يعكس الأمل الكامن بداخلنا فى مستقبل مشرق لنا ولكل البشرية رغم الواقع الآنى وتحدياته الصعبة».
«هامبيك» فنان وصلت منحوتاته إلى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، بالإضافة إلى مناطق أرمنية عديدة. يعمل «هامبيك» كصانع للخاتشكار منذ سن العاشرة مع والده «فارازدات» فى قلب العاصمة الأرمنية «يريفان» مع فريقه الصغير، والذى يجمعهم كلهم حبهم لوطنهم وإدراكهم لقدرة الخاتشكار على إيصال ما تعجز السياسة عن وصفه.
تربى «هامبيك» فى أرمينيا، الوطن الأم، حيث يشاركه اللغة والهوية «ناريج هاروتونيان» الفنان الأرمنى المولود فى بيروت، لبنان، والذى تربى فى الولايات المتحدة الأمريكية ويعيش حالياً بينها وبين أرمينيا.
وأما القالب الثانى فيتعلق بالموسيقى الأرمينية، والتى ترجع أصولها إلى عصور غابرة، فموقع أرمينيا الحالى والذى لا يتعدى نسبة العشرة بالمائة مما كانت عليه حين امتدت حدودها فى عهد الملك «تيجران الكبير» من البحر المتوسط إلى بحر قزوين (140 الى 55 قبل الميلاد).
وقد أتاح لأرمينيا أن تكون جسراً ثقافياً بين الشرق والغرب، فأضحت تصهر كبوتقة - ومن خلال تفردها الجغرافى والثقافى - تغزل وتحيك ثوبها الفنى الخاص فى الشعر والأدب والموسيقى.
وأسس «ناريج» معهد «ناريجاتسي» للفنون، والذى يعنى بتقديم وحفظ صور الفن الأرمنى التقليدى المختلفة كالشعر والموسيقى والتصوير الفوتوغرافي. فى حضورى لفعاليات «ناريجاتسي» المختلفة وجدت الفنانين الموسيقيين الأرمن الشباب يتوهجون فى حفلات أوركسترا ناريجاتسى متوحدين مع آلاتهم الشعبية الأرمنية كالدودوك والسانتور والتار وغيرها. بعزفهم، أشعرونى والحضور بقوة ودفء أعمال الملحنين الأرمن العظام آرام خاتشاتوريان، و أفيديس أفيديسيان والمولودة من أنامل أحفادهم العازفين الصغار أبناء الثامنة عشرة والعشرين عاما.
ويحمل «ناريج»رؤية كوزموبوليتانية للفن الأرمنى بوسائطه المتعددة ويراها تستطيع أن تخاطب الجمهور العالمى إذا اتيحت الوسائل الممكنة لذلك، فكونه من أرمن الشتات، فقد لامس وتعامل واحتك بثقافات عالمية مختلفة، وقد تبلور ذلك فى ذهنه منذ كان صغيرا.
ومما دفعه بعد ذلك لإنشاء معهد ناريجاتسى للفنون وقد تأسست به فرقاً فنية عديدة داخل يريفان وخارجها فى مدن أرمنية مختلفة كمدينة «شوشي» والتى احتلت من قبل أذربيجان فى حرب عام 2020.
ويكمل «هامبيك» و «ناريج» رؤية بعضهما البعض، فتواجد الأول والتصاقه بالوطن الأم وبقائه فى أرمينيا، مع انفتاح الثانى و احتكاكه بالمشهد الفنى الثقافى العالمى مع حفاظهما على خصوصية وفرادة الفن الأرمني، يتيح ذلك الفرصة لتصدير منتج فنى فى إطار عالمى مغروس فى هوية واعية فى فضاء ثقافى متعطش لهذا النوع من الإنتاج المحلى المتميز.
جديربالذكر أيضاً تجارب أرمنية موسيقية ذات طابع عالمى كفرقة مثل: Element Band بقيادة «آرا داباندجيان» و The Naghash Ensemble بقيادة «جون هوديان» واللذان يعنيان فى المقام الأول بإعادة اكتشاف التراث الموسيقى الأرمنى المغنى والمعزوف بين ما وثقه الراهب الأرمنى «كوميتاس».
وما قبله، حيث استطاعت الفرقتان خلق مساحة فريدة من التواصل بين الجماهير العالمية غير الأرمنية لتتذوق وتقدر الفن الأرمنى فى قالب فنى يجمع بين أصالة التقليدى وحداثة الآنى.
ولا يتسع هذا المقال القصير بعدد كلماته المحدود رصد المشهد الثقافى الأرمنى بأكمله، ولا يكتمل إلا بالحديث عن المسرح والسينما والأدب والشعر والفن الحديث وقضاياه التى تعكس إشكاليات المجتمع الأرمنى كنمط الحياة بعد الاستقلال عن الاتحاد السوفييتي، والهوية الأرمنية بين الماضى والمستقبل وغيرها من القضايا اليومية وبالأخص بعد حرب عام 2020 الأخيرة والتحديات الجغرافية التى تواجه أرمينيا فى منطقة شديدة الحساسية كجنوب القوقاز.
اقرأ ايضاً | أرمينيا ما بعد الحرب والشتات : صراع الهوية والحداثة
نقلا عن مجلة الادب :
2023-2-26


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.