منذ أسبوعين، فجر د. محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية مفاجأة من العيار الثقيل بإنسحابه من السباق الرئاسي، وهو الأمر الذي أحدث ردود فعل واسعة النطاق علي المستويين الداخلي والخارجي. ومنذ أيام قليلة عاود د. محمد البرادعي ليُثير جدلا آخر من خلال تبنيه لمقترح يقضي بأن يتسلم رئيس جمهورية مؤقت ومنتخب من مجلس الشعب السلطة في البلاد، ثم يتم فورا تشكيل لجنة لوضع الدستور الذي سيحدد شكل النظام السياسي، ويضمن مدنية الدولة والحقوق والحريات علي أن يتلو تلك الخطوات انتخاب رئيس جمهورية تكون صلاحياته محددة وفقا للدستور الجديد، ثم انتخاب برلمان جديد علي أساس هذا الدستور. اقتراح البرادعي قوبل هذه المرة برفض شديد من قبل الساسة والخبراء والمحللين الذين أجمعوا علي أن هذا المقترح يزيد الوضع توترا، مطالبين بالكف عن المقترحات التي تُثير الانقسامات داخل المجتمع المصري. الفقيه الدستوري د.محمد نور فرحات الأمين العام المستقيل للمجلس الاستشاري أبدي رفضه القاطع لاقتراح البرادعي لسببين رئيسيين، الأول لأنه مخالف للدستور، والثاني لأنه خطر سياسي، مؤكدا في الوقت نفسه إستحالة تطبيق المقترح علي أرض الواقع. وقال د. فرحات: مقترح البرادعي مخالف للدستور لأن الإعلان الدستوري لم يعط لمجلس الشعب سلطة اختيار رئيس الجمهورية، وليس في نصوص الإعلان الدستوري ما يساند مقترح البرادعي، فضلا عن أن تعديل الإعلان الدستوري لايمكن أن يتم في ظل تمسك بعض القوي السياسية بقدسية استفتاء مارس والذي بمقتضاه صدر الإعلان الدستوري. خطر سياسي وتابع د. فرحات: أما من ناحية خطورة هذا المقترح سياسيا فإنه يمكن القوي السياسية صاحبة الاغلبية في مجلس الشعب من اختيار الرئيس من بينها، وبهذا تتجه مصر نحو نظام الدولة الشمولية التي يسيطر فيها تيار معين علي السلطة التشريعية والتنفيذية في آن واحد. التسليم لمن!؟ واعتبر د. فرحات مقترح البرادعي شكلا آخر من مطالبات البعض بضرورة أن يسرع المجلس العسكري بتسليم السلطة، مؤكدا أنه يتمني ذلك في أقرب وقت، ولكن يجب علي الذين يطالبون بهذا الأمر أن يبينوا للناس لمن تُسلم السلطة ؟ .. وبأي طريقة تُسلم ؟ .. وعلي أي أساس يتم تسليم السلطة لفلان أوفلان أوفلان ؟ . وقال : هناك برنامج واضح لتسليم السلطة، وبدأ تنفيذه بانتخاب مجلس الشعب، وجار إنتخاب مجلس الشوري، ثم بعد ذلك تشكيل لجنة وضع الدستور، ثم وضع الدستور، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، والميعاد المحدد للانتهاء من كل هذه الخطوات هو 30 يونيه، وهناك محاولات لتقصير هذه المدة وإختصارها، ومن ثم لا داعي لاي مقترحات أخري تُثير حفيظة القوي السياسية. يُثير البلبلة ومن جانب آخر أكد د.عماد عبد الغفور رئيس حزب النور السلفي أن إقتراح الرئيس المؤقت مرفوض شكلا وموضوعا، مشيرا إلي أن مصر ليست "كشك سجائر" حتي تدار بهذه الطريقة، واصفا مقترح البرادعي بأنه حلقة جديدة في مسلسل الصدمات الكهربائية التي تتعرض لها مصر بين الحين والآخر علي أيدي بعض الرموز السياسية، فضلا عن أنه خطوة غير محسوبة، وغير مرحب بها . وقال رئيس حزب النور : كفانا إقتراحات تُثير البلبة، وتزيد حدة الانقسام والتشتت في صفوف المجتمع المصري، ولي هنا أن أتساءل لماذا كل هذا الصراخ في الوقت الذي لم يتبق فيه علي إنتهاء المرحلة الانتقالية سوي خمسة أشهر ؟ .. هل من المعقول أن نختار رئيسا مؤقتا لمدة شهر أو شهرين ثم بعد ذلك ننتخب رئيساً آخر ؟ .. بالتأكيد هو أمر غريب فضلا عن أنه غير مقبول. وأضاف د. عبدالغفور: المجلس العسكري ملتزم بتسليم السلطة بنهاية يونيه المقبل، وعاهد الشعب المصري علي ذلك، ونحن نظن أنه سوف يلتزم بهذه العهود، وسوف يسلم السلطة في الوقت الذي حدده وبأحسن الطرق، وأري أن التشكيك في هذا الأمر في غير محله، ولاسيما أن المجلس العسكري وفر المناخ لأجراء أنزه إنتخابات منذ 60 سنة، ولو شاء أن يمتنع عن إجراء هذه الانتخابات لفعل ذلك. وأكد د. عبدالغفور أن رحيل المجلس العسكري الآن سوف يدخل البلاد في تشتت، والأفضل أن ننتظر حتي يقوم المجلس العسكري بتسليم السلطة وفقا للخطوات المحددة لهذا الأمر. خطة طريق واتفق السفير محمد رفاعة الطهطاوي مساعد وزير الخارجية الأسبق، مع الآراء السابقة، معرباً هو الأخر عن رفضه لاقتراح البرادعي بحجة أنه ليس له مبرر، وقد يدخل البلاد في دوامة جديدة، مؤكدا أن هناك خطة طريق لابد أن نسير عليها حتي النهاية. وقال الطهطاوي: نحن الآن بدأنا خطوات جادة في طريق الانتقال إلي حكم مدني وسلطة شعبية منتخبة، فلدينا الآن برلمان منتخب ولايته خمسة أعوام، وأتمني أن ننجح في انتخاب رئيس مدني خلال فترة وجيزة جدا، وفي تقديري انتخاب الرئيس لا يتوقف علي وضع الدستور، فمن الممكن أن ننتخب رئيساً ثم بعد ذلك نضع الدستور، وليس صحيحا أن هذا الأمر سوف يأتي برئيس بصلاحيات مطلقة، لأن الصلاحيات قد تتغير، فقد ننتخب رئيس علي أساسا صلاحيات رئاسية، ثم بعد ذلك يقرر البرلمان تعديل الدستور، فيبقي الرئيس وتتغير الصلاحيات. وأضاف : نحن نؤيد انتخاب الرئيس قبل وضع الدستور لأن إعداد الدستور قد يستغرق اسبوعا وقد يستغرق سنة، وهو ما لا يتفق مع ما هو أمامنا الآن من استحقاق محدد بنهاية يونيه، ولا نريد أن يتعرض هذا الأمر للاهتزاز. وكان د. حازم صلاح أبوإسماعيل المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، قد رفض اقتراح د.البرادعي، ووصفه بأنه إتجاه لحرق مصر كلها، وقال في كلمة مقتضبة علي صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك": هذا الاقتراح كشف تماما ما يكمن خلف الظواهر من موقف حقيقي، وهذه ستكون مقدمة لاحتراق البلد كليةً. كما أكد عمرو موسي الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية بان الاسلوب الاوحد لاختيار الرئيس هو انتخاب الرئيس انتخاباً مباشراً بواسطة المواطنين وليس بأي اسلوب آخر وان ينتخب لفترة 4 سنوات طبقاً للاعلان الدستوري وليس لفترة مؤقتة والا يرتبط بمسار كتابة الدستور والافضل ان يكتب الدستور في وجود الرئيس والبرلمان المنتخبين . واضاف موسي انه لا بد من تحقيق مطالب القوي الثورية والوطنية بالتبكير بانتخابات الرئاسة الي اقرب تاريخ ممكن وهو ما اقترحه منذ أيام في اجتماع المجلس الاستشاري.