كل اكتشاف أو ابتكار في محاور العلوم والمعارف يعد في حوزة الشعوب كلها وينال من منافعه الجميع دون أن يكون هناك حدود أو قيود علي تلك العلوم لتعطي لناس دون الآخرين أو ينتفع بها شعب دون آخر. إن معضلات التقدم باتت ملحة ضرورية حيث فرضت قانون منظوماتها لتلتهم كل من حولها دون استثناء وتهيمن علي عالمنا إذا لم نتفهمها ونسير في منظوماتها، وأقل ما يمكن لنا أن نجاري مفاهيمنا. لابد لنا من أن نتعامل مع مفرداتها لنحذو حذوها . ولكن للأسف كلما ضاعفنا خطانا للحاق بمنظومات الكوكبة والعولمة التي فرضت مفاهيمها نكتشف أننا كالذي يلحق بالسراب كلما اقتربنا منه مازال البعد ذاته قائماً، وبذلك تختفي من أمامنا الرؤية وتغيب عن أذهاننا المفاهيم ونشعر أننا في عالم غريب عن هذا العالم الجديد في تقنيته وعلومه ومفاهيمه كما نشعر أننا ليس بمقدورنا بلوغه رغم قدراتنا وإمكانياتنا علي العطاء إذا ما طُلب منا ذلك دون أية مبالغة واثقين من ذلك لأننا نملك من الذكاء ما يملكه غيرنا، وليس هذا ادعاء أو غرور ولكنه حقيقة أكدها أسلافنا بداية من ابن رشد وابن خلدون والفارابي وغيرهم من عظماء أمتنا ولكن المشكلة تكمن في كيفية توظيفه وتطبيقه، ولا يحدث ذلك التوظيف ما لم نتحرر من سلبيات عديدة مثل رواسب الماضي الدفين والمعوقات التي تردنا، ومن ترديد الاتهامات بتغريب العولمة واتهامها بأنها تشكل خطر علي عالمنا وعلينا لأنها آتية من الخارج. لذا لابد من أن نتحرر من شيخوخة الفكر ومما أصابها من العجز ومما يحجر عقولنا من بعض المقولات التي لا تتوافق مع التطور الجديد، وأن نتفق ونقر جميعاً أن عناصر الزمن قد تغيرت وتبدلت وموازين التقييم ومقاييسه ومحاوره تحولت عبر مراحل ترتحل ولازالت ترتحل من زمن إلي زمن متجدد عما قبله ونؤمن أن كل جديد يلاشي ما قبله. لذا لابد لنا من أن نعاصر الزمن الذي نعيشه ونتعاصر مع منظوماته الفكرية والعلوماتية والمعلوماتية، ونبحر عبر تحديث علومه في الأفكار وأن نحكم أذهاننا بيقظة حتي نري كل ما يدور حولنا بعين فاحصة ثاقبة رائدة وعقل مدرك الأبعاد وأن نلغي العتاب فيما بيننا والتعليل والأعذار ونستعد للغد القادم الزاحف بكل ثقله وما يحتوي من تحديث، ونتهيء للسوق التنافسية المحتمة. لذا لابد من أن نتواكب مع كوكبة العالم الجديد لعلنا نخترق تلك العولمة المستحدثة حتي نتجاور مفاهيمنا مع عالمنا الذي نحياه دون أن نحاول عبثاً الانفصال عنه مهما كانت المسببات والدوافع والمبررات مما سوف يصيبنا ويشلنا بعدم القدرة علي العطاء العلمي واستقبال واستيعاب منظوماته المتدفقة. لذا لابد أن نبدأ أولاً بالفعل وليس بالقول وحده، وهنا صدق من قال ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.