القرارات والإجراءات التي شهدتها مصر علي مدي الأسبوع الماضي، عبرت عن موقف حاسم في مواجهة الثورة المضادة. بقرار النائب العام بحبس مبارك وابنيه جمال وعلاء، ورموز نظامه سرور والشريف، وقرار رئيس الوزراء بحركة تغييرات المحافظين، تدخل الثورة مرحلة جديدة من الاستقرار، وخطوة مهمة لوأد الفتنة بين الشعب وجيشه، كما تأتي القرارات تأكيدا جديدا أن المجلس العسكري حارس الثورة الشعبية، وأن حكومة الثورة تتفاعل مع نبض الثوار ومطالب الشعب المصري، النتائج الايجابية لهذه الخطوات التاريخية سوف تتوالي علي مدي الفترة القادمة علي جميع المستويات. وقد لمسنا بعضها بشكل فوري مع ارتفاع مؤشر البورصة بعد دقائق من إعلان حبس مبارك وابنيه، وتعليق المظاهرات المليونية، التي كانت مقررة بالأمس في ميدان التحرير، وهي من أهم ملامح خطوات استقرار الحياة الطبيعية بمصر. لو أن الحكومة اسرعت في اتخاذ مثل هذه الاجراءات منذ فترة.. ما أتيحت الفرصة لأي مظاهر للثورة المضادة، والتي كادت أن تنقض علي ثورة الشعب فجر السبت الماضي.. قد يقول البعض أن تأخر هذه الاجراءات كان يحتاج إلي الوقت لتقصي الحقائق والتدقيق في المعلومات والبلاغات، لضمان العدالة لأي متهم، واختيار الافضل من المحافظين، وهذا حق يحرص عليه الجميع لضمان ميزان العدالة، ولكن كان من المفروض أن تكون الأولوية في انجاز التحقيقات والقرارات التي تعد مطلباً أساسياً لشباب الثورة. فليس من المطلوب ان يخرج الشعب في مظاهرة مليونية كل جمعة بميدان التحرير والميادين الكبري بالمحافظات، حتي يتحقق في كل مرة أحد مطالب الثورة، هذا التباطؤ والتردد في اتخاذ القرارات الثورية العاجلة خطر يواجه الثورة، ويمنح فلول النظام البائد، والأصابع الخفية فرصة للعبث بمقدرات البلد. ولابد من التعجيل بمحاكمات رموز النظام والفاسدين، ولابد ان يعقب حركة المحافظين تطهير لرؤساء المجالس المحلية، وتغيير رؤساء مجالس إدارات شركات قطاع الأعمال العام التي أصيبت بالشلل علي أيديهم، وتوقف انتاجها لصالح احتكار شلة بعينها من رجال الأعمال، وأقارب وأصدقاء عائلة مبارك. هل تنتظر الحكومة حتي يتمكن هؤلاء من إخفاء معالم جرائمهم أو تهريب أموالهم؟! جميع مواقع العمل والانتاج تزخر بالقيادات الشابة من العلماء والمبتكرين القادرين علي انقاذ الشركات والمصانع المهملة، ولكن تم تجنيبهم ومنعهم من ممارسة أعمالهم، حتي يتمكن أباطرة القطاع العام من تخريب المصانع والشركات وبيعها خردة، أو في صفقات مشبوهة لأهل الحظوة. إذا كان كل مطلب عاجل يحتاج إلي مظاهرة مليونية، فمتي تتحقق الأهداف الرئيسية للثورة من الحرية الكاملة والكرامة والعدالة الاجتماعية، فكلما أسرعت الحكومة في قرارات التطهير حافظت علي مكاسب الثورة وعظمتها، وأعطت الفرصة لأمن البلاد واستقرارها، والانطلاق نحو العمل والانتاج وتدفق الاستثمارات وتنشيط الحركة السياحية.. الشعب يريد إجراءات فعلية علي أرض الواقع، ولا يريد تطمينات أو تصريحات. لقد عشنا سنوات طويلة نسمع فيها الرئيس المحبوس يردد دائماً، لا أحد فوق القانون. والجميع أمام القانون سواسية. واكتشفنا أننا كنا نعيش في خدعة كبري. بعد ان داس رجال مبارك علي القانون بالنعال، وعاثوا في الأرض فساداً ونهباً، وسخروا القانون لخدمة كبار القوم، وتكميم الأفواه وظلم الشعب والنصب والاحتيال علي خلق الله. لقد حققت ثورة مصر نجاحات كبيرة في الاصلاح السياسي، بإسقاط النظام ومحاكمته ومواجهة الفاسدين، ووضع برنامج زمني للانتخابات البرلمانية والرئاسية، ووضع دستور للبلاد. والأمر الملح الآن هو الاسراع بخطوات التطهير التي تمكن مصر من البدء في برنامج عاجل للاصلاح الاقتصادي.