اسامة صالح - منى ذوالفقار - طارق عامر لعل اصدق وصف للاوضاع التي عاشها الاقتصاد المصري طوال الثمانية عشر شهرا الماضية هو ذلك التشبيه الذي طرحه چيمس موران سفير الاتحاد الاوروبي بالقاهرة عندما شبهها بمن يركب قطارا من قطارات الملاهي.. صعود وهبوط وصعود! موران طرح تشبيهه هذا في سياق محاكمة عقدها ريتشارد بانكس مدير عام الاسواق الناشئة بمؤسسة يورومني للحكومة وكبار المسئولين والمستثمرين في شكل حوار ممتع وبحرفية بارعة.. لقد طرح بانكس الف سؤال وسؤال امام لفيف من ممثلي المؤسسات المالية الكبري ومسئولي البنوك والمصالح الاقتصادية في مصر.، وكلها تدور حول الاقتصاد وكيفية اعادة الاستثمارات لمصر وتوزيع ثمار النمو الاقتصادي. لكن السؤال الابرز كان: ماهو الموقف الحقيقي للاقتصاد المصري وهل يعرف احد الاجابة علي هذا السؤال تحديدا؟! اسئلة واجابات شارك في طرحها والاجابة عنها والاستماع الي مضمونها قرابة الف من رجال المال والاعمال الذين ينتظرون مؤتمر اليورومني باعتباره الترمومتر الذي يقيس درجة حرارة الاقتصاد وخاصة في الفترة الراهنة. لم يكن الحوار مقصورا علي اروقة احد فنادق مصر الجديدة بل تعداها الي اليوتيوب كما قال مدير اليورومني بانكس خلال محاكماته للوزراء ولكبار المستثمرين!.. ولعل اهم ما يمكن ملاحظته خلال يومي المؤتمر قول ريتشارد بانكس ان مصر رغم التحديات التي واجهتها الا أنها ابلت بلاء حسنا حيث حافظ الجنيه المصري علي استقراره امام العملات الحرة وعلي حد قوله فان »الانوار ظلت مضاءة«.. ومع ذلك كما اضاف فإن مصر تحتاج الي الكثير من الدعم وجذب الاستثمارات.. مصر ليس امامها رفاهية الانتظار! ولعل ما يمكن ملاحظته كذلك محاولة د. هشام قنديل رئيس الوزراء ازالة حالة التوتر التي انتابت المستثمرين عقب خطاب رئيس الجمهورية باستاد القاهرة وماقيل حول فساد بعض الشركات المتداول اسهمها ببورصة الاوراق المالية! ولذا جاءت تأكيدات د. قنديل علي التزام الحكومة بتعهداتها وعقودها مع المستثمرين المحليين والاجانب وأنها لن تعود ادراجها في الماضي.. واضاف ان شائعات غير صحيحة كانت وراء ماحدث بالبورصة من انخفاضات ملحوظة! رئيس الوزراء طرح مجموعة من الاخبار الايجابية في محاولة منه كما قال صراحه لاستعادة روح ميدان التحرير وذلك وصولا الي خفض عجز الموازنة وخفض الانفاق الحكومي، مشيرا الي انه التقي مع 053 مستثمرا اجنبيا خلال الشهرين الماضيين بحثا عن استثمارات جديدة. وعلي حد قوله فإن الجميع يريد اللحاق بالقطار قبل انطلاقه. اما ممتاز السعيد وزير المالية فقد ظهر مهموما للغاية رغم ابتسامة خافتة ولديه كل الحق فالارقام التي طرحها كانت ثقيلة وتثير كل انواع الهموم. قال ان مصر تحتاج في السنة المالية الحالية 672 مليار جنيه استثمارات لايتوافر منها سوي 65 مليارا استثمارات محلية، ومن ثم فالحاجة ماسة الي استثمارات عربية واجنبية تعوض هذا الفارق الضخم. وقال ان الاستثمار لو لم يطمئن سوف يبتعد عن مصر حيث خرج 61 مليار دولار نتيجة عدم الاطمئنان والتوتر الذي اعقب ثورة يناير! ومن جانبه اعرب اسامة صالح وزير الاستثمار عن تفاؤل لاحدود له في مستقبل الاستثمار بمصر رغم التحديات الحالية وقال ان مصر تعد من اكثر 02 دولة جاذبة للاستثمارات الاجنبية ،مشيرا الي العمل مع العديد من المستثمرين علي تنفيذ 881 مشروعات استثماريا في مختلف القطاعات بجانب طرح عدد من المشروعات بنظام المشاركة مع القطاع الخاص باستثمارات 8 مليارات دولار. وقال انه يتم العمل علي تنفيذ مشروعين كبيرين في شرق التفريعة ببورسعيد بجانب مشروع ضخم يربط الصعيد بالبحر الاحمر. .وحول اهم مايقلق وزير الاستثمار قال اسامة صالح ان التحدي الاكبر مصر هو تطلع المصريين الي الاستقرار وجني ثمار النمو الا ان وضع العمال وعلاقاتهم بالمستثمرين هو أهم مايقلقه وهو ماتعمل الحكومة علي معالجته. هذا بجانب تحدي اسعار ودعم الطاقة المطروح حاليا للبحث!..وأهم من ذلك قوله ان الاستثمار استثمار سواء كان مصريا ام اجنبيا، والملعب مفتوح للجميع ايا كانت الجنسية. وبعيدا عما قاله د. قنديل والسعيد وصالح فقد كانت احاديث كبار المستثمرين في غاية الاثارة والأهمية وخاصة أنها تناولت قضايا اكثر اهمية مثل قضية دعم الطاقة التي اشار اليها احمد هيكل رئيس مجموعة القلعة المالية مؤكدا ان استمرارها كما هي الآن يزيد الامر تعقيدا ومن ثم لابد ان نكون اكثر شراسة في هذا الصدد. واقترح دعم الاشخاص وليس السلع كما حدث في البرازيل والمكسيك وايران ودول اخري. وقال ان قرار الدعم سياسي في المقام الاول وهو قرار صعب. والعلاج لايكون بشكل مفاجيء فذلك يؤدي للفشل، واضاف: لقد طرحت المشكلة عام 0002 ولو قمنا منذ ذلك التاريخ برفع سعر المنتجات البترولية 01 قروش فقط سنويا حتي اليوم لكانت ديون مصر الآن صفرا. وبعيدا عن دعم الطاقة اشار هيكل الي ضرورة توفير المناخ المناسب للمستثمرين وقال انه من غير المعقول ان يبدأ المستثمر صباحه باستدعاء من النيابة العامة ثم يقرأ في الظهيرة اتهامات في الاعلام ثم نطالبه بالاستثمار! وأضاف متهكما: لقد وصلت الي حالة »تصديق« ما يكتب عني من اتهامات! ومع ذلك كما قال فإن مجموعة القلعة استثمرت 4 مليارات دولار بمصر منذ ثورة يناير 1102 حتي اليوم. اما طارق عامر رئيس البنك الاهلي المصري فقد وصف التحديات التي مرت بها مصر بالجسيمة وقال: لم يكن احد يتوقع شيئا محددا في ضوء اتهامات للجميع بالفساد! وقال ان مصر عبرت تلك المرحلة الصعبة بمساندة جهاز مصرفي قوي شهد اصلاحا جذريا علي مدي سنوات. وأشار الي ان الوضع الحالي بمصر افضل بكثير من دول اخري وبمجرد استقرار الاوضاع الامنية سوف تعود التدفقات الاستثمارية والسياحة الي سابق عهدهما.. وقال طارق عامر ان اهم الاصلاحات التي شهدها الجهاز المصرفي هو منع التدخل الحكومي مشيرا الي ان مجلس ادارة البنك الاهلي لايوجد به عضو واحد من الحكومة رغم أن هذا الامر كان مستفزا للحكومات السابقة ومع ذلك رفعت يدها معترفة بخطورة التدخل الحكومي في عمل البنوك. وبنفس الحماس تحدث هشام عز العرب رئيس البنك التجاري الدولي مشيرا الي أن مصر مرت بأصعب 81 شهرا ومع ذلك فالجميع لديه اصرار علي مواجهة التحديات رغم صعوبتها وقال : لقد خرجنا من هذه المرحلة أقو مما كنا. ومن جانبها أعربت مني ذو الفقار رئيس المجموعة المالية »هيرمس« عن ثقتها في اعادة الاوضاع كما كانت مشيرة الي ان المستثمرين يكرهون حالة عدم اليقين والغموض وهو الامر الذي شاب المرحلة الماضية. وقالت ان المستثمرين كانوا طوال الشهور الماضية يتساءلون عن شكل النظام السياسي الجديد والسياسات الاقتصادية التي سيتم اتباعها ومن هنا كانت حالة الترقب التي سادت المستثمرين قبل دخول السوق المصري. واضافت ان الوقت الراهن يشهد تحركات ايجابية .. وأهم من هذا وذاك الالتزام الحكومي باحترام العقود وعدم تطبيق القوانين بأثر رجعي. هذا وقد جاءت اقوال نضال العصار وكيل محافظ البنك المركزي المصري لتؤكد هي الاخري قدرة الاقتصاد المصري علي التعافي من منطلق الثقة التي بدأ يتمتع بها من مختلف المؤسسات العالمية. واشار الي ان استراتيجية البنك المركزي بشأن قيمة الجنيه المصري لن تتغير بجانب الحفاظ علي سمعة مصر المالية. واضاف ان اي مستثمر اجنبي وقت الازمة التي مرت بها مصر مؤخرا لم يجد اي مشكلة في تحويل امواله للخارج ولم تكن هناك لحظة تأخير واحدة في هذا الصدد. وقال ان البنك المركزي لا يتدخل في تحديد قيمة الجنيه الا في حالة وجود مضاربات مبالغ فيها. وبشأن سؤال عن احتمال ترك د. فاروق العقدة منصبه كمحافظ للبنك المركزي قال نضال العصار: اعتقد ان د. العقدة لن يترك منصبه خاصة انه حقق العديد من الاصلاحات اهمها الاستثمار في البشر وتحويل البنك المركزي الي مؤسسة مالية محترمة ولكن إذا مارحل د. العقدة فإننا سنكون في غاية الحزن.. ومع ذلك فإن العمل سوف يستمر فالبنك المركزي مؤسسة تعتمد علي هيكل تنظيمي وليس علي اسماء.