لم أكد أخرج من إجتماع المجلس الأعلي للثقافة لتتوالي المكالمات من وكالات الأنباء والصحف تتساءل في معظمها: هل نحتاج لإعلان دستوري جديد لتعديل خارطة المستقبل، بعد تصريحات د. زياد بهاء الدين بأن تأتي الإنتخابات الرئاسية قبل البرلمانية؟، وهل الأحكام الإنتقالية في دستور لجنة الخمسين تسمح بهذا المقترح؟. تبع ذلك حراك نشط في وسائط الميديا، وتصريحات للنشطاء وتعليقات للخبراء وتفسيرات ومماحكات من المتربصين ومزايدات من المتنطعين، وهنا أستوقفك لأسجل عدداً من الملاحظات في الشكل والموضوع، أحسب أنه لن يستقيم حوارنا إلا في إطارها.. أما عن ملاحظات الشكل، فأولها التوقيت الذي جاء بعد عودة الدكتور زياد من مقابلة المفوضة الأوروبية السيدة آشتون في بروكسل، وتزامنه مع تسليم مسودة الدستور للرئيس عدلي منصور، وكأن السيد نائب رئيس الوزراء لم يتذكر إقتراحه إلا بعد أن انتهت لجنة الخمسين من وضع الأحكام الإنتقالية ولم يصبح أمامنا مفر في حالة الموافقة علي الانتخابات الرئاسية أولاً، إلا تعديل خارطة المستقبل وإعلان دستوري جديد بما يحمله من تعقيدات قانونية وسياسية نحن في غني عنها. فإذا ماكانت المادة 230 من مسودة الدستور تسمح بإمكان مثل هذا المقترح، إلا أنه ينتقص من حق واختيارات المرشح الرئاسي، مااشترطته المادة 142 بأن يزكي المترشح للرئاسة عشرون عضواً علي الأقل من مجلس النواب، أو خمسة وعشرين ألف مواطن ممن لهم حق الإنتخاب في خمس عشرة محافظة علي الأقل، فإذا لم تأت الانتخابات البرلمانية أولاً، يكون أمام المرشح الرئاسي إختيار وحيد يجوب معه خمس عشرة محافظة ليحصل منها علي خمسة وعشرون ألف تزكية للترشح، فهل كان د.زياد لايعرف هذه الشروط؟ وهل جاء مقترحه في توقيته المناسب؟ وهل تغيا الصالح العام بالفعل؟ أم أحدث بلبلة لم يكن لها مقتضي، وسمح للمتربصين والمزايدين للتشكيك في مسارات خارطة المستقبل وجدية الدولة ومؤسساتها في إنجاز المرحلة الإنتقالية بكفاءة وسرعة، أما كان الأولي به أن يتقدم بهذا المقترح إلي لجنة الخمسين قبل إنتهاء أعمالها لتضمنه في الأحكام الإنتقالية ويكون موضع اعتبار ودراسة؟!. ولعل د. زياد يصعب علينا إمكانية الدفاع عن حسن نيته ويفتح باباً واسعاً للمتشككين في العديد من مواقفه وتصريحاته، ليستحضروا أحاديثه السابقة بعد زيارة للولايات المتحدة، عن أن العملية السياسية في بلادنا لاينبغي لها أن تقصي أحداً، في إحالة إلي موقفه السابق بشأن المصالحة مع التيارات الإرهابية، وهو ما أثار حفيظة الشعب ضد الحكومة وقوبل برفض قاطع، كما حدث أيضاً مع تصريحاته بشأن رفضه قانون تنظيم التظاهر وإعلانه هذا في وقت تتحرش فيه بالدولة جحافل مايسمي بتحالف دعم الشرعية، فجاءت تصريحاته وقوداً لحرائق أشعلوها في الجامعات والميادين والشوارع، وأساء استغلالها شباب متحمس يري الأمور باعتبارات مجردة مسطحة لاتقيس حجم التحديات التي تعيشها هذه المرحلة القلقة من تاريخ الوطن، حيث يتلمظ بنا المتآمرون في الداخل والخارج، وركب الموجة معهم مغامرون وانتهازيون ومغرضون خرجوا يتحدون الحكومة والدولة وينصبون شراكهم لإصطياد الداخلية، ماسمح بالتدخل الخارجي في شئوننا، وتصريحات دولية مخاتلة عن العنف ضد المتظاهرين، والقلق علي مسارات الديمقراطية وخارطة المستقبل. أما من حيث الموضوع، فإنه يصعب النظر في تصريحات وأحاديث الدكتور زياد في مبعدة عن تصريحات د. حازم الببلاوي الذي لم ير مقتضي لإعلان الإخوان وتابعيها منظمات إرهابية، وهي ليست بعيدة أيضاً عن مواقف د. أحمد البرعي الذي لم يصدر قراره بحل هذه التنظيمات الإرهابية. ومن الملاحظ أن قرارات هذه الحكومة وتصريحاتها غالباً ما تأتي متأخرة عن توقيتها أو خارجة عن سياقاتها أو صادمة لجماهيرها، وكأن الحكومة تدفع في اتجاه تفكيك تحالف 30 يونيو، وتحول العديد من فصائله المتحالفة إلي فرقاء لا رفقاء ينتهي بهم المطاف للإصطفاف مع الإخوان والتيارات الإرهابية. لقد كان الأولي بالحكومة قبل كتابة الدستور أن تتبني مقترح الأستاذ إبراهيم عيسي لتنظيم الإنتخابات البرلمانية والرئاسية معاً ومرة واحدة، مايرفع عبء التأمين عن كاهل الجيش والشرطة ويقلل من نفقات لوجستيات عملية الإنتخابات ويختصر من الفترة الإنتقالية ويعفي الرئاسة من إبتزاز تحالفات ومساومات الأحزاب، حيث أعطي الدستور الحق في تشكيل الحكومة لمن يحوز الأكثرية، وبذلك فتح الباب واسعاً أمام تحالفات أيديولوجية ومصلحية ومنفعية ومساومات إنتهازية، حتماً سيكون تأثيرها سلبياً علي الإنتخابات الرئاسية. وإذا كان لابد من تغيير خارطة المستقبل، فلماذا لايكون إلي الأفضل بأن تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً ومرة واحدة؟، كما يحدث في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لاتزال تدفع برجالها وحركاتها ليحكوا أنوفنا في الداخل وتضغط علينا بمنظماتها وإعلام تابعيها في الخارج. فهلا بحثتم هذا، وهلا توقف د. زياد عن أحاديثه وتصريحاته، ورحم الله والده العظيم أحمد بهاء الدين الذي كان مثالاً للوطنية والبراءة.