أولاً المتأمل للموجة الثانية من الثورة يستخلص أن الشعب المصري مُعلم البشرية نزلت جموعه الميادين بدافع يتصدر بؤرة شعوره. وآخر مختزن في خلفية عقله مستمد من وعيه الوطني الفطري الذي هو خلاصة تراكم تجارب الجهاد المنقولة عبر الأجيال في جينات الجيل الحالي وعياً وإدراكاً.. أما ما تصدر بؤرة شعوره هو إزاحة سلطة عن الحكم ليس رفضاً للأداء العاجز للحاكم فحسب والمنعكس علي الأمور الحياتية للمواطن في ترد ملحوظ، بل لأن هذا الحاكم ينتمي لفكرة »الإخوان« فالرفض كان للفكرة لماذا؟ لأن منهج الإخوان وتكوينهم وأدائهم وأهدافهم وتطلعاتهم كجماعة لو رغب فيها أحد فإنه ينتمي إليها وينخرط في عضويتها فمتقبلي الفكرة هم أعضاء الجماعة في الجماعة، ومن لم يرغب فيهم لم ينتم إليهم بل علي النقيض هناك من رغب وانتمي وعند ظهور عقل له اعترض وانشق وخرج منها، والباقي قلة في المجتمع وبالتالي حين يصعد أحدهم لسدة الحكم ويكون حاكماً للدولة، أياً كانت ظروف الحكاية، حكاية وصوله للحكم فحين يكون شاغله الأوحد أن يجعل تنظيم الجماعة هو الدولة »أخونة الدولة« فهنا الخطيئة الكبري لأن ذلك بإعمال قليل من العقل معناه سطوة تنظيم بأعضائه القلة علي مقاليد الحكم ولو كان الأمر عند هذا الحد لهان لكن المدمر هو فرض منهجية التنظيم علي الدولة كرهاً والشعب الذي هم قلة فيه لو أراد منهاجهم لانتمي إلي تنظيمهم من قبل فخروجه عن تنظيمهم يعني ببساطة رفضه لفكرهم ومنهاجهم فحين تأتي لتفرضه علي الملايين سيلفظونه ويقامونه، وتكون الثورة لا علي أداء عاجز لحاكم مكبل بالدلفري الذي يأتيه من تنظيمه العالمي وهنا الخطر، بل لتنظيم الحاكم وجماعته وتنظيمه ومنهاجه. ثانياً: أن جماعة الإخوان التي بدأت مندثرة في عباءة الدين لم يكن حباً في الدين وإعلاء للدعوة بل كانت البضاعة في سوبر ماركت الإخوان هي الدعوة لجذب الزبائن »الاحتشاد حول الفكرة الدينية وما أدراك ما الدين لدي المصريين« وكانت »يافطة« السوبر ماركت تعالوا لبضاعة الدين تكسبون به الآخرة، وهم يملأون خزائنهم من أموال الزبائن الراغبة.. فيكدسونها من أجل افتتاح مشروع حقيقي متخفي في الدعوة وهو الوصول للسلطة ليحقق لهم الهيمنة علي العالم وهو مشروع أدخل عليه تطوير استغلالاً لحوادث منها هروبهم بعد كل مصادمة لينتشروا اقليمياً ثم دولياً، فاستغلوا الهروب بعد المصادمات الداخلية لعمل تكوينات اقليمية ودولية. ولكن في جميع المراحل صدامهم مع السلطة »وهو الصدام الميسر للمساومة« وليس الصدام النضالي من أجل قضية أو قيمة أو مجتمع وأحوال، بل صدام من أجل التنظيم وأعضائه والأمثلة معروفة، أما هذه المرة فصدامهم كان من موقع السلطة وضد الشعب الذي قاوم فكرتهم وتنظيمهم وازاح كل الأوراق الباهتة الساترة لأفكار لعوب. ثالثاً: أن صعود الإخوان للسلطة في البلدان التي قامت فيها ثورات لم يكن صدفة ولم يكن لقوة ذاتية بل لأرض ممهدة مفروشة بورود الأمريكان، أما لماذا فالإجابة هي نفس الإجابة علي تساؤل لماذا دولة إسرائيل، الإسرائيليون حين مثلوا عبئاً علي المجتمع الأوروبي تخلص منهم بفكرة إنشاء وطن قومي في فلسطين وجماعات الإسلام »والجماعات الإسلامية الإرهابية« بحسب وصف الأمريكان والأوروبيين أصبحوا عبئاً علي المجتمع الأوروبي والأمريكي فأعادوا تصدير البضاعة لبلاد المنشأ ويكونوا هم السلطة حتي لا تلفظهم سلطة في بلادهم إن لم يكونوا هم السلطة وفي نفس الوقت وفي المقابل يقدمون بلا حساب ودونما طلب للأسياد الذين أوصولهم السلطة ما يحقق في الحقيقة المشروع الصهيوني والأمريكي. أنظر لهدنة حماس مع إسرائيل هي تثليج للقضية الفلسطينية وانظر لفكرة الدولة الشريطية علي الحدود »الحمساوية« مع جزء من سيناء فهي وأد للقضية الفلسطينية واعتداء علي السيادة المصرية، ولكن لا يري التنظيم الإخواني »الذي كان يحكم« في ذلك مساساً بالسيادة لأن الأمريكان يعلمون منهج الأممية »دولة الخلافة« وأن ذلك الحلم يجب أن يلعبوا عليه ولكي نعلم الفارق بين الدولة القانونية المدنية ودولة الخلافة، أن الدولة المدنية القانونية، تعظم فكرة جنسية الفرد وتعظم جنسية الأرض، فحبة الرمال من الأرض دونها الدم بمعني أن شعب مصر يعيش علي أرض مصرية ودولة لا يحكمها إلا مصري، أما الخلافة فالتعظيم للرعوية أي انتماء الفرد لدولة الخلافة. رابعاً: لذلك كان الوعي الوطني للمصريين والذي كان يمثل الدافع الثاني لثورتهم وهو أن حكم الإخوان لو استمر فعلاوة علي فاتورة تقسيم الأوطان الذي يرغبه الأمريكان والذي يرون منه هم أي الإخوان أنهم الأمكر لأنهم سيحققون الخلافة التي تلملم حبات العنب في عنقود الخلافة، والذي يري الأمريكان أنه قبل لملمة حبات العنب في عنقود الخلافة ستدخل أمريكا في صدام جماعي مع هذه الأنظمة يشبه مذبحة قلعة كبيرة، محمد علي فيها هم الأمريكان والمماليك »الإخوان« والقلعة »المنطقة بأسرها« وكان سينتهي الأمر بإبادة لهم، وستكون الشعوب والوطن هو الضحية، لذلك فإن موقف الأمريكان هو دفاع مستميت عن مشروعهم الصهيوني وليس المشروع الإسلامي الذي يروج له الإخوان كبضاعة في سوبر ماركت سياستهم. فالثورة حين قامت مهما حدث للإخوان فلا شيء فهي حماية لهم من مصير إبادة علي يد الأمريكان كان محتماً وقادماً في وقت كان قصيراً، ويبقي أن هذه الثورة لم تخلع الإخوان بل ستؤدي إلي خلع أوباما من شعبه وركن الحزب الديمقراطي علي الرف من الحكم ربما لعشر سنوات قادمة، فلو علم الإخوان الغيب لاختاروا الواقع واستكثروا من خيره فواقعهم الآن خير لهم، لأن السياسة هي قراءة في كتاب المستقبل، وعلي ما يبدو أن الإخوان بموقفهم الحالي غير الواعي لهذا بدوا كما لو كانوا في كتاب السياسة يجهلون القراءة.