القول بأن السماح لضباط الجيش والشرطة بالترشيح والتصويت في الانتخابات ضرورة فرضها الدستور حق يراد به باطل, صحيح أن الحق في الانتخاب والترشح تكفله المادة55 ولكن مع فتح المجال للقانون المنظم لممارسة الحقوق السياسية, وبالتالي يبدو وكأنه مجرد مولوتوف قضائي يزيد المصادمات في الشارع السياسي بحجة قانونية تؤكد أن قرارات المحكمة الدستورية غير قابلة للنقاش. المادة55 من الدستور تتضمن أن مشاركة المواطن في الحياة العامة واجب وطني; ولكل مواطن حق الانتخاب, والترشح, وإبداء الرأي في الاستفتاء. وينظم القانون مباشرة هذه الحقوق وكنت أتمني من المشرع والمحكمة الدستورية عدم إهمال الدور المنوط بالقانون المنظم لأن النص الدستوري ينسف التمييز أمام المشاركة في الحياة العامة ولكن التجربة تحتم ضرورة مراعاة حق الانتخاب والترشح لفئات قد تكون مشاركتها تمثل ضررا بها أو مساسا بدورها. ولا أري أن نتعامل من منظور قصير المدي مع قرار المحكمة الدستورية بأنه سيسمح للمرشحين بالتجول في الوحدات العسكرية للدعاية أو تعليق لافتات علي أبواب الألوية والكتائب والسرايا وحق الاقتراب والتصوير وانتظار المجندين والضباط أمام وحداتهم العسكرية أو حتي إلي جوار مراكز الشرطة العسكرية أو أن يترك الجنود والضباط مهامهم ويتفرغون للمعارك الانتخابية, ولكن ينبغي التعامل بشكل أكثر عمقا إذ أن ذلك قد يفتح باب الحزبية والميول السياسية والاستقطاب داخل الجيش والشرطة بصورة تؤثر علي المهام الوطنية التي من المفترض أن يقوموا بها بحيادية ودون ميول, كما أن التركيز علي عدم التمييز باسم حقوق المواطنة والمساواة في الممارسة السياسية ينبغي مناقشته في ضوء المركز القانوني للشخص القائم بها. وكان علي المحكمة الدستورية إن جاز لي أن تراعي التجربة المصرية في هذا الصدد والتي كانت مع صدور قانون مباشرة الحقوق السياسية عام1956 والذي سمح لأفراد الجيش بالإدلاء بأصواتهم, وراح الجيش في حالة من الانشغال والاشتغال بأمر السياسة دون الدفاع والحربية بصورة رآها قادته خطرا بعد أن اختلطت أوراق حماية الحدود ببرامج الأحزاب السياسية وشهد الجميع مدنيين وعسكريين بفشل التجربة حتي تم إلغاؤها وإعفاء العسكريين منها بقانون للضباط بعد3 سنوات نظم الأمر ونسف ما تضمنه قانون المباشرة السياسية. والأمر الذي يستحق التوقف أن نوايا إصدار ذلك القرار لا يمكن قراءتها بمعزل عن المشهد السياسي الحالي, إذ قد يزيد التمسك به من حالة الاحتقان ويعمق روح المؤامرة, بمنح أحد الفصائل السياسية حق الاعتراض علي تأمين الجيش لمقار اللجان الانتخابية وهو ما يمنحهم فرصة التلاعب في التصويت والتزوير, بحجة الحياد وبالتالي يحتاج الأمر إلي البحث عن وسيلة للإشراف القضائي علي الصناديق والتأمين القضائي للناخبين واللجان وأعمال الفرز والدفاع المدني. المشكلة الكبري أننا نفكر في الأمر الصحيح في الوقت والتوقيت الخطأ فتأتي التفسيرات بروح المؤامرة وقذارة السياسة وكله باسم دستور عجز ترزيته عن حبكة مضمونه! [email protected]