لو فتحت الحنفية لوجدت قطراتها تقول لك:' أنا خط أحمر' فقد هزلت استخدامات تلك الكلمة في حياتنا السياسية حتي فقدت بريقها; فالذين يقولونها لا يتحركون فعليا للحفاظ علي ما نسميه بهذا الخط, بل تكون بمثابة كلمة سر للمرور دون رقابة, والضرب في المليان دون مساءلة, لتشويه ما يطلقونه عليه ذلك الوصف, وكأننا نطلقها علي ما نريد انتهاك كرامته, والنيل من هيبته. فكثيرون من قالوا إن الجيش خط أحمر وهم يقودون سرا من يهتف بسقوط العسكر فلما ذهبوا أخذوا ينتقدون تحركاته لهدم الأنفاق ويوجهون البلطجية للاعتداء علي جنوده في بورسعيد والاسماعيلية ومن يقلدون زيه للتنكر بسترته في ارتكاب الجرائم, وقالوا إن الشرطة خط أحمر وتحركوا في شرايينها لوقف هيكلتها وإعادة توظيف طاقاتها لتستمر أداة للبطش والسحل والاعتقال والتعذيب, وقالوا إن الأزهر خط أحمر وحركوا ميليشياتهم الطلابية لاقتحامه وتشويه صورة علمائه والنيل من كرامة وقوة شيخه الجليل, وقالو إن القضاء خط أحمر بينما كانوا يسمحون لصبيانهم وأذلامهم بمحاصرة المحكمة الدستورية ويشككون في الأحكام الصادرة ويفسرون ما يصدره القاضي علي هواهم ويتهامسون مع النائب العام ليحبس من يشاءون ويطلق سراح من يريدون. وزعموا أن الكنيسة والكاتدرائية خط أحمر في الوقت الذي كانوا يشاهدون وباستمتاع محاولات خبيثة لاقتحامها وإلقاء المولوتوف عليها وترويع الآمنين بها دون موقف اللهم إلا الزيارة الخاطفة لمستشاري الرئيس التي يصعب تحديد هدفها وهل هي للعزاء والمواساة أم للتأكيد علي المنظومة البالية التي مللناها بأنه لن يفلت أحد من العقاب سواء المحرضون أو مرتكبو الجريمة. وأري أن كل شئ يوحي الآن بأن هناك مخططا خبيثا لإسقاط هيبة كل الأشخاص والمؤسسات دون أن ندرك السبب إلا إذا كان الأمر يرتبط بخطط سرية ومخاوف مجهولة وأحلام لا يعلمها إلا أصحابها, وفي ذلك يتساوي الجميع سواء الرئاسة أو الحكومة أو القوي السياسية المتصارعة علي السلطة التي تبرر في معاركها استخدام كل الأسلحة المحرمة وطنيا, والمجرمة أخلاقيا, وغير المسموح بتداولها إنسانيا; فإذا وقع المحظور وظن أحد المتصارعين أنه قارب الهزيمة هاج وثار وصرخ بأن هذه المنطقة خط أحمر ثم يهدأ قليلا ليرقص رقصة البجعة الأخيرة علي جثث ضحاياه وضحاياهم حيث يستمر النزف في المنطقة الحمراء من فرط الشعور بالنصر المؤقت أو الهزيمة الدائمة. لقد كره المصريون جميعا الخط الحمر بعد أن قاربت حياتهم علي السواد بفعل المتاجرين بالشعارات البالية, وتحركاتهم التي لا يقبلها أحد ولا يريدها عاقل بعد أن تحول إلي خط هروب من المسئولية, وكان يكفيهم أن يتحملوا مسئولياتهم ويعترفوا بالخيبة والعار والهزيمة وكراهية الناس لهم وهذا بالتأكيد لن يكون' خطا أحمر' بل' كارتا' لطردهم من ساحة التمثيل التي غطاها عرق أكاذيبهم التي لا تتوقف. [email protected] رابط دائم :