بعد أن هدأت ضجة التعديلات الدستورية ما بين مؤيد لها ورافض لها وخاصة فيما يتعلق بالمادتين 88 و179 المتعلقتين بالاشراف القضائي وبعض الأحكام المستحدثة في مكافحة الارهاب الا أنه من الملاحظ أن الجوانب الاقتصادية في التعديلات الدستورية لم تأخذ حقها الكافي من المناقشة ولم تسلط عليها الأضواء الاعلامية بالرغم من خطورتها وأثرها علي الاقتصاد القومي ككل وعلي أوضاع المواطنين بصفة خاصة، والسؤال الذي دار في ذهني الا وهوهل تحولت مصر إلي دولة بلا هوية اقتصادية؟! فالدستور هوالذي يحدد المعالم والملامح الرئيسية للدولة وكل السلطات المعنية سواء كانت السلطة التنفيذية أوالتشريعية أوالقضائية والمقومات الاساسية التي يقوم عليها المجتمع والحريات العامة بصفة خاصة فالمادة الأولي من الدستور المصري قبل التعديل تنص علي أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكي ديمقراطي يقوم علي تحالف قوي الشعب العاملة تم جاءت وأضافت عنصر المواطنة مع أن المواطنة هي احد مقومات ودعائم المجتمع الاجتماعية وليست الاقتصادية فقد نصت المادة الأولي بعد التعديل علي أن جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة. ونصت المادة 4 قبل التعديل علي أن الأساس الاقتصادي لجمهورية مصر العربية هوالنظام الاشتراكي الديمقراطي القائم علي الكفاية والعدل بما يحول دون الاستغلال ويؤدي إلي تتقريب الفوارق بين الدخول ويحمي الكسب المشروع ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة". وجاءت المادة 4 بعد تعديل الدستور فحذفت كل الأحكام والمبادئ التي نصت عليها المادة 4 من كفالة الحقوق والعدالة والتقريب وعدالة توزيع الاعباء والتكاليف والتقريب بين الطبقات وجاءت المادة 4 بعد التعديل بعبارات مقتضبة غامضة لا تسمن ولا تغني من جوع ونصت صراحة علي أنه "يقوم الاقتصاد في جمهورية مصر العربية علي تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وكفالة الأشكال المختلفة للملكية والحفاظ علي حقوق العمال "وعلي نفس النمط والمنوال جاء تعديل المواد 23، 24، 30 ، 33 . 37 من الدستور وجاءت التعديلات بعبارات غامضة مبهمة لم تتضمن ملامح اقتصاد الدولة بل حذف لكل ما يشير إلي النظام الاشتراكي دون إيجاد البديل له وكأن الشر يكمن في النظام الاشتراكي وحده، ونحن بدورنا نتساءل عن الأسباب والحكمة التي جعلت المشروع الدستوري يعمد إلي حجب الهوية الاقتصادية لمصر؟! وهل كل النظم الدستورية والديمقراطية للبلاد الأخري تسير علي هذا النمط؟! أم ان المشروع الدستوري المصري قد انفرد بتلك البدعة عن باقي التشريعات الأخري ؟! وما هي العواقب والآثار المترتبة علي حجب الهوية؟! وإن كنا نؤمن يقينا أن المشروع المصري قد حاول مغازلة النظام الرأسمالي الفج علي استحياء خوفاً من العواقب الوخيمة لهذا التحول الفجائي الجذري. وهل نحتاج لمدة طويلة لتقييم تلك التجربة أم أن الاضطربات العمالية المتتابعة مند شهور هي احدي ثمار الهوية المفقودة