مثلت حرب أكتوبر أكبر نقطة تحول في تاريخ الاقتصاد المصري ولاسيما أن أهم التحولات التي حدثت بعد الحرب هي تبني سياسة الانفتاح الاقتصادي والتي وضعت أولي لبنات مبادئ الاقتصاد الحر وبدأت مرحلة التحول الاقتصادي المصري من اقتصاد اشتراكي حر ولكن بضوابط محددة تراعي محدودي الدخل وتحقق العدالة الاجتماعية.. وتلك كانت أولي ثمار حرب أكتوبر. الخبراء أكدوا أن الفترة من حرب أكتوبر 1973 وحتي الآن وبعد مرور 33 عاما تعد كافية من أجل إنشاء كيان اقتصادي قوي متكامل يعتمد علي آليات السوق. وهناك من أكد أن التأخر الواضح في التحول الكامل إلي اقتصاديات السوق بعد هذه الفترة الطويلة يرجع إلي وجود بعض القرارات المتضاربة والتأخر في اصدار بعضها الآخر. كما يقول د.إيهاب الدسوقي أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الادارية إن الاقتصاد المصري خرج من الحرب وهو محمل بأعباء عديدة بسبب استنزاف الحرب لمعظم موارد مصر والتي كانت موجهة أكثرها إلي التسليح والمجهود الحربي وبالتالي كما يقول الدسوقي كانت هناك عقبات في سبيل تحقيق التنمية وإعادة بناء الاقتصاد المصري ليتواكب مع المتغيرات العالمية بعد أن تزايدت الدعاوي إلي الأخذ بآليات الاقتصاد الحر. ويضيف أن سياسة مصر الاقتصادية تغيرت بعد إعلان الرئيس الراحل السادات سياسة الانفتاح الاقتصادي والتي كانت بداية لاحداث تغيرات جذرية في الحياة الاقتصادية المصرية. ويضيف إلي أن فترة التسعينيات قد شهدت تحولاً اقتصادياً كبيراً حيث تحول الاقتصاد المصري من اقتصاد اشتراكي إلي اقتصاد رأسمالي حر تم من خلاله تحرير الجمارك وتحرير سعر الصرف وتم السماح بدخول الاستثمارات الأجنبية فأصبحت مصر أكثر انفتاحاً علي العالم الخارجي كما تم الاستفادة من تجارب الدول الأخري حيث أثبتت جميع التجارب في مجال التنمية أن الدول التي اتبعت النظام الرأسمالي الحر في اقتصادها حققت نجاحات باهرة في حين أن الدول التي اتبعت النظام الاشتراكي حققت فشلاً ذريعاً. وينوه ايهاب الدسوقي إلي أن مصر علي الرغم من كونها سعت إلي تطبيق النظام الرأسمالي الحر إلا أن هذا التطبيق يعتبر غير كامل، فالحالة الاقتصادية الحالية يسودها نوع من التذبذب في اتخاذ القرارات وبطء في التنفيذ موضحا أنه علي سبيل المثال الجمارك المصرية مرتفعة جدا مقارنة بالجمارك في أي دولة أخري فنحن نحتاج إلي تخفيض أكثر للجمارك لاسيما بعد الاصلاحات الأخيرة سواء للمواد الأولية أو للسلع الاستهلاكية حتي يشعر رجل الشارع بنتائج ملموسة. وأضاف أن القرارات الاقتصادية كثيرة جدا، ففي كل يوم يطل علينا من خلال وسائل الاعلام أحد المسئولين بإعلان قرارات تدعو إلي تحسن الاقتصاد المصري ومع هذا رجل الشارع لا يشعر بأي تحسن في مستواه الاقتصادي أو رفع مستوي معيشته. ويضيف أنه علي الرغم من اثبات فشل القطاع العام في إدارة الاقتصاد المصري مازال هناك العديد من الاشخاص التي تقوم بالهجوم علي الخصخصة كما أن الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد المصري مازالت ضئيلة فالمدخرات الأجنبية في مصر حجمها صغير فهي لا تكفي لتحقيق الاستثمارات المرجوة مشيرا إلي أن الحل يكمن في الاستثمارات الأجنبية حتي يتم تعويض الانخفاض في المدخرات المحلية وحتي يزيد الاستثمار ويرتفع الدخل القومي ويرتفع مستوي معيشة الأفراد. ويشير الدسوقي إلي أن أهم المكاسب التي تحققت بعد حرب أكتوبر هي تمكن الحكومة المصرية من استغلال موارد لم تكن قادرة علي استغلالها من قبل أهمها: أولا: السياحة وخاصة في منطقة شمال سيناء فبعد الحرب زاد دخل مصر القومي عن طريق السياحة. ثانيا: استغلال الأراضي في سيناء وإنشاء العديد من القري السياحية. ثالثا: إقامة علاقات اقتصادية مع دول العالم فمركز مصر السياسي والاقتصادي أصبح أكثر قوة من ذي قبل. رابعا: رجوع كرامة الإنسان المصري حيث كان للحرب تأثير نفسي علي الإنتاج فالنصر كان عاملاً مؤثراً في زيادة الإنتاج حيث أصبح هناك فائض في العمالة لم تستغل من قبل حيث كانت موجهة قبل ذلك لصالح الحرب. خامسا: افتتاح قناة السويس وحصول مصر علي موارد كبيرة منها. أما د.رفعت العوضي أستاذ الاقتصاد جامعة الأزهر فيؤكد علي أن حرب أكتوبر كان نقطة فاصلة تم من خلالها انتقال الاقتصاد المصري من اقتصاد اشتراكي إلي اقتصاد رأسمالي وهذه أولي ثمار الحرب الواضحة. وينوه العوضي إلي أن الرئيس السادات كانت له نظرة مستقبلية ثاقبة لأن النظام الرأسمالي أصبح المسيطر علي الاقتصاد العالمي ولهذا فالقرار كان عبارة عن نقطة عبور بالاقتصاد المصري من كونه نظاماً اشتراكيا تقوم فيه الدولة بدور رئيسي إلي نظام اقتصادي رأسمالي كامل يعطي دوراً أكبر للقطاع الخاص ونفوذاً أكبر لرجال الأعمال من أجل حسن إدارة المشروعات. أما نبيل حشاد خبير اقتصادي فيؤكد أنه بعد حرب أكتوبر وسعي مصر لأن يكون آخر الحروب ثم توقيع اتفاقية السلام أصبح التركيز موجها إلي تغيير نمط السياسة الاقتصادية التي كانت سائدة في تلك الفترة إلي جانب الدعوة إلي التركيز علي التنمية الاقتصادية وساهمت هذه الاتفاقية في انفتاح مصر أكثر علي أن العالم وتحسن علاقتها بمعظم الدول ولولا الحرب ما كان السلام.