عندما تدورمطابع الأهرام ليصبح هذا العدد بين يديك فتقرأ هذه السطور, تكون مصر قد عرفت اسم الرئيس الذي سوف يحكمها لأربع سنوات مقبلة, بعد ثورتها التي انفجرت مثل طوفان هادر, في الخامس والعشرين من يناير من العام الماضي. ولا تزال موجاتها تتلاحق حتي اليوم ما بين جذر ومد باتجاه شاطيء نجاة. عندما تدور المطابع تكون مصر قد عرفت رئيسها, وتكون جماعة الاخوان المسلمين كذلك أمام تحول تاريخي في ضوء نتائج تلك الانتخابات, وهو تحول يفرض عليها جملة من التحديات ربما كان من أهمها ما يتعين عليها أن تقدم علي فعله الان وليس غدا, بالفصل بين مرشدها العام في مقرها الرئيسي بالمقطم ومن خلفه مكتب الارشاد, وبين حزبها السياسي الحرية والعدالة الذي نجح علي مدار أقل من عام أن يحظي بالأغلبية في أول برلمان لمصر بعد الثورة, بل وأن يصل بمرشحه في السباق الرئاسي إلي نهاية شوط انتخابي, لم تشهد له مصر مثيلا في تاريخها الحديث. في نظر كثيرين تتحمل جماعة الاخوان المسلمين, جزءا كبيرا من المسئولية عما آلت إليه الأمور في مصر اليوم, فقد لعبت الجماعة دورا كبيرا في شق الصف الثوري, عندما فشلت في لجم رغباتها الجامحة في الاستحواذ علي جميع مقاليد السلطة في البلاد, لتضيف إلي قوي الثورة أخطاء فوق أخطائها التي لازمتها علي مدار عام أو يزيد قليلا, حتي عندما بدت مصر خلال الأيام الثلاثة التي استبقت صدور حكم الدستورية العليا, وكأنها بانتظار حدث جلل, لم تنتبه الجماعة لتواصل ومن خلفها تيار الإسلام السياسي, نفس الأخطاء القديمة بالاستحواذ علي تأسيسية الدستور, غير عابئين بالانسحابات المتتالية للقوي المدنية, احتجاجا علي نسب المشاركة, فقد كان اهتمامها بالسباق الرئاسي الذي أوشك علي نهايته, أكبر بكثير من مؤشرات خطر, تشير صراحة إلي أن العسكر باقون باقون لفترة قد تطول نسبيا, حتي وإن اختفت آلياتهم من الشوارع والميادين. علي مدار أكثر من نصف قرن دفعت جماعة الاخوان المسلمين وقد كانت ولاتزال شريكا رئيسيا في ثورة المصريين من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ثمنا فادحا لأخطاء تاريخية لا يتمني أحد أن تعود إليها من جديد, وأنا هنا أتحدث صراحة عن تلك التصريحات التي نسبت إلي قيادات بارزة في تنظيمها السياسي, هددت ب ثورة أكثر غضبا وأشد عنفا إذا ما خرج مرشحها من السباق الرئاسي خاسرا, وهي تصريحات لا يملك المرء وقد كنت من الذين قاطعوا جولة الاعادة برمتها سوي أن يتوقف أمامها بكثير من الخوف الذي لا يمنع قلقا, مما قد تشهده البلاد خلال الايام المقبلة من ردات فعل غير محسوبة, قد يدفع كثيرون ثمنا فادحا لها. عندما تدور المطابع تكون الجماعة أمام إجابة صريحة ومباشرة, علي ذلك السؤال الذي يشغل الغالبية العظمي من المصريين الآن, وهي إجابة سوف تكشف إلي حد كبير مدي قدرة التنظيم السياسي الأبرز في مصر, علي استيعاب طبيعة التحولات الكبري التي تشهدها البلاد منذ عام, وامكانياته في التعاطي معها بما يتطلبه ذلك من آليات, لا تتعلق فحسب بمدي ما سوف تنجزه الجماعة من تغييرات جذرية في أفكارها وقناعاتها المتجذرة, ولا بنظرتها للمستقبل, وإنما من قبل ذلك كله, مدي قدرتها علي انجاز تغييرات حقيقية في بنيتها التنظيمية والفكرية, تحولها من أمة داخل الأمة إلي جزء أصيل من أمة عظيمة اسمها مصر.. وتلك هي المسألة. [email protected]