في الرابع من مايو العام الماضي, دخل مبارك عامه الرابع بعد الثمانين, بينما شوارع مصر وميادينها تغلي بالملايين, هؤلاء الذين خرجوا مطالبين ب الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. ولم يتم الديكتاتور عامه الخامس بعد الثمانين, حتي تحول إلي مجرد رقم, من بين أرقام عديدة هي كل ما يميز النزلاء, في نفس السجن الذي استقبل علي مدار ثلاثين عاما, آلافا من المعتقلين والسياسيين من معارضي سياسات فترة حكمه. ربما تكون هي المرة الأولي التي يمثل فيها حاكم مصري, منذ عهد الفراعنة الأوائل وحتي تأسيس الدولة الحديثة, أمام المحاكمة من قبل الشعب, لكن المؤكد أن مبارك يظل هو الأتعس حظا بينهم جميعا, فالرجل الذي حكم البلاد لأكثر من ثلاثين عاما, انتهي به الحال إلي غياهب السجون, عقب ثورة شعبية أطاحت به وبنظام حكمه الذي فشل علي مدار عقود, في توفير حياة إنسانية وكريمة تليق بشعب يعيش في دولة كبيرة وعظيمة اسمها مصر. في الرابع من مايو العام الماضي, دخل مبارك عامه الرابع بعد الثمانين, بينما شوارع مصر وميادينها تغلي بالملايين, هؤلاء الذين خرجوا مطالبين ب الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية, ولم يتم الديكتاتور عامه الخامس بعد الثمانين, حتي تحول إلي مجرد رقم, من بين أرقام عديدة هي كل ما يميز النزلاء, في نفس السجن الذي استقبل علي مدار ثلاثين عاما, آلافا من المعتقلين والسياسيين من معارضي سياسات فترة حكمه. هو الأتعس حظا بامتياز بين من سبقوه, ليس فحسب, لأنه لم يقتنص فرصا عديدة, لاحت له علي مدار سنواته الأخيرة, كان من شأنها أن تدخله صفحات التاريخ, باعتباره أول رئيس عربي ينزل عن كرسي الحكم بإرادته, ويفتح الطريق أمام تحول ديمقراطي حقيقي في أكبر بلد في المنطقة العربية, ولكن لأنه لم يمنح هؤلاء الملايين الذين هرعوا إلي الشوارع غضبا, عقب صدور حكم الجنايات ضده, ولو مجرد فرصة للتعاطف معه, فقد تأكد للجميع أن كل ما كان يقوله في الزمان الغابر عن الكفن الذي ليس له جيوب, وعن كراهيته للظلم واستغلال علاقات النسب, لم يكن سوي سلسلة من الأكاذيب, خبأت خلفها سنوات من النهب المنظم, لم تشهد مصر مثيلا له, علي امتداد تاريخها القديم والحديث علي حد سواء. لعبت أطماع العائلة دورا كبيرا في ذلك المصير الدامي الذي انتهي إليه مبارك, فعلي مدار السنوات الأخيرة من حكمه, بدت أحلام نجله الأصغر جمال في وراثة الحكم ودعم والدته له, أكبر من محاولات الأب للجمها, رغم أنه كان يعرف أكثر من غيره, أن تحقيق مثل هذه الرغبة الجامحة للابن, من شأنها أن تقوض نظاما جمهوريا أرست دعائمه ثورة قامت منذ ما يزيد علي نصف قرن, لاتزال أدبياتها السياسية حاضرة وبقوة, ليس فحسب في المشهد السياسي المصري علي اختلاف تنويعاته الفكرية والأيديولوجية, بل وتشكل في الوقت ذاته وعلي نحو لا تخطئه عين عقيدة الجيش, وهو المؤسسة الأقوي والأكثر نفوذا وتأثيرا في البلاد. أفلت الحكم الصادر من محكمة جنايات القاهرة نجلي مبارك من العقاب في جرائم فساد مالي, ل عدم كفاية الأدلة, ليدفع الأب وحده الثمن غاليا, لأكثر من عشر سنوات حكم فيها نجله جمال مصر عمليا, عندما نجح خلالها في السيطرة علي التنظيم السياسي للحزب الحاكم, ليطلق اللجام لشركائه من رجال المال والأعمال, هؤلاء الذين دعموا مشروع التوريث, وقضوا بأطماعهم في المقابل, علي أحلام ملايين البسطاء في حياة كريمة, تلامس الحد الأدني من الكرامة الإنسانية. ربما يكون مبارك هو الوحيد حتي اليوم, الذي دفع ثمن فساد عصره, وهو ثمن لن يرضي بأي حال, تلك الملايين التي خرجت إلي الميادين, والتي سوف تواصل خروجها حتي تحقق أهداف ثورتها, وتقتص من كل من شاركوا في فساد عصر بأكمله, لم يكن مبارك فيه سوي الرأس فقط لجسد حوت كبير, لا يزال يصارع حتي اليوم من أجل البقاء, واستبدال رأس برأس. [email protected]