الأحلام التي تفجرت, والوعود التي ترددت, والأمال التي ارتفعت الي عنان السماء خلال منافسات الحملات الانتخابية لثلاثة عشر مرشحا للانتخابات الرئاسية, لايجب أن تجعلنا نسقط جميعا في شراك ثورة التوقعات عبر الظن أن الرئيس الجديد أيا كان من هو سيأتي ليملأ الأرض عدلا بعد الجور, ولتحويل اليابس الي أخضر في ربوع المحروسة في غضون عشية أو ضحاها, وأن مصر ستتحول الي قوة اقليمية عظمي خلال سنوات قليلة!!!. بلا تشاؤم أو إحباط أقول: إن كل تلك الأمنيات الطيبة لايمكن أن تتحقق الا بعد جهد جهيد وعمل دؤوب علي مدار سنوات طويلة قادمة, وليس في غضون الأربع سنوات المقبلة. فبداهة, سيكون الرئيس القادم مطالبا بالتعاطي الجاد مع تلال من المشكلات المتراكمة إثر عقود طويلة من فشل سياسات متكاملة تنموية حتي صار قرابة نصف الشعب المصري إلا قليلا يرزخ تحت وطأة أمية خانقة, وفقر مدقع وضعف صحي مؤلم. وكل ماسبق أعباء ينوء بحملها أي وطن ينشد الارتقاء فهي بمثابة أثقال تكبل حركة من يرغب في العدو, وقيود تقيد أيدي من يرغب في حلحلة الأزمات وتفكيك العقد الكائنة, ناهينا عن واقع سياسي ملتهب, وهو أمر طبيعي الي حد كبير بعد الثورات والأحداث الكبري, يفرض علي الرئيس الجديد المواءمة والموازنة بين مختلف فئات المشهد السياسي المصري. وثالثة الأثافي واقع إقليمي مضطرب, وحدود ملتهبة من مختلف الجهات وهو مايفرض علي الممسك بدفة الوطن الابحار بحرص شديد وهو يشق عباب لجج بحر هائج في ظلمة حالكة!!! ولعل التفكير المنطقي يدفعنا الي تقدير أن أقصي مايمكن أن نتوقعه من الرئيس القادم أن يستهل خلال الأربع سنوات القادمة عملية شاملة متكاملة للفك والتركيب أي الهدم والبناء في آن واحد, وبشكل تدريجي, تؤطره الحكمة والرغبة الصادقة في تجنيب الوطن ومؤسساته تبعات هزات متوالية قد لايتحملها. عملية الفك والتركيب, السالف الإشارة اليها, لابد وأن تشمل بناء قاعدة راسخة لانطلاق مصر المستقبل مرتكزة علي أربع ركائز رئيسية الا وهي مكافحة الفساد أو استئصال شأفته, وسيادة دولة القانون بتشريعات عصرية, ثم توفير الظروف المناسبة لاصلاح منظومتي التعليم والصحة, واتباع سياسة خارجية رشيدة وفاعلة. ففيما يتعلق بالنقطة الأولي, قد يحسن التأسي بالمنهج التدريجي والتصالحي. الذي ساد في جنوب افريقيا عقب انتهاء حكم الابارتيد. فيتم استيعاب جميع كوادر الدولة وكفاءاتها, مراعاة لحقيقة أن المسافة بين النظام والدولة, خلال الستين عاما الأخيرة, في بلادنا قد تلاشت أو ذابت, ومن ثم, فان كثيرين عملوا لخدمة الوطن, حتي وان بدا أنهم كانوا في خدمة النظام, وهؤلاء وليس الطغمة الحاكمة يجب أن يستفاد منهم, طالما لم يتورطوا في جريمة يعاقب عليها القانون في نفس الوقت لابد من القيام باصلاح تدريجي محسوب لجميع مؤسسات الدولة بلا استثناء لاستئصال مايفسد الأداء ويشوه النتائج. ففي تجربة جنوب افريقيا تمت محاكمة واقصاء قيادات الصف الأول المتورطين في أعمال الفساد أو النهب ثم التصالح مع من هم دون ذلك وفقا لاجراءات معينة تحقق العدالة والاستقرار في آن واحد. ولنتذكر أن الفساد طبيعة انسانية يستحيل القضاء عليه كلية, فلا وجود للمجتمع الفاضل إلا في مخيلة الشعراء والأدباء, وأن غاية الأمر هو تحجيم ضرره أو تقليص تأثيره الي الحدود المقبولة دوليا. ثم يجئ دور الإصلاح التشريعي. فالبادي أن بلادنا مكبلة بغابة من التشريعات التي تعطل ولاتحمي. فعلي الرئيس القادم كذلك حث جميع أجهزة الدولة علي المساهمة في الاصلاح التشريعي في مصر..لتنقية القوانين وجعلها أكثر مواكبة لروح العصر.