الأهداف العامة والغايات الكلية للثورة تجسدت في عدة شعارات رفعها المتظاهرون, وأصبحت بمثابة الموجه العام للخطاب السياسي, من هنا كان حضورها لافتا في برامج المرشحين للرئاسة لكن هذا الحضور يختلف من مرشح لآخر بحسب انتمائه الفكري والسياسي, والأهم بحسب جدية التزامه بما يطرحه من برامج, لأن أحد سمات السياسة في مصر هي الفجوة بين القول والفعل. والقراءة الأولية لبرامج مرشحي الرئاسة تكشف عن استمرار هذه الفجوة, فكثير من مرشحي الرئاسة يطرحون رؤي وأفكارا كلية تخلو من التفاصيل والأرقام المحددة, حتي يصعب محاسبتهم, كما أن كل المرشحين ينطلقون بشكل خاطئ من فرضية وجود سلطات وصلاحيات واسعة للرئيس علي غرار ما هو موجود في النظام الرئاسي والذي عانينا منه في ظل المخلوع بل إن أحد أبرز المرشحين يطرح من ضمن مهامه الرئاسية كتابة دستور حاضري لمصر وتلك هي الملاحظة الأولي. الملاحظة الثانية: تتعلق بضعف الاهتمام بقضية العدالة الاجتماعية, والتي ما تزال ابرز شعارات الثورة, فهي الغاية والوسيلة لتحقيق الحرية والعيش والكرامة الإنسانية ولا تعني العدالة الاجتماعية تأخير أو تأخير الحرية, وإنما الاقتران بها, فكل منهما شرط وجود وتحقق الأخري لكن اغلب برامج مرشحي الرئاسة لا تهتم بالربط بين الحرية والعدالة, كما تخلو من النص علي آليات وإجراءات محددة وواضحة لتحقيق العدالة الاجتماعية, وكل ما تقترحه يقوم علي تقديم إعانات بطالة وزيادة في المعاشات وتعديل أشكال الدعم وزيادة الإنفاق علي الصحة والتعليم, من دون أن تحدد مصادر تمويل هذه السياسات, وهل سيتم تدبير الموارد من خلال فرض ضرائب جديدة أم الاقتراض من الخارج والمدهش ان أغلب البرامج أشارت إلي فرض ضرائب تصاعدية دون ان تحدد نسبتها أو الحصيلة المتوقعة عن تلك الضرائب, كما خلت كل البرامج من الدعوة لتبني الاشتراكية رغم وجود مرشحين ينتمون لليسار!! الملاحظة الثالثة: خاصة بالطابع الإنشائي والعبارات المطاطة والشعارات العامة في برامج كل المرشحين بلا استثناء, خاصة فيما يتعلق بنهضة مصر وقوتها, والسياسة الخارجية واستعادة دور ومكانة مصر عربيا وأفريقيا وعالميا وأحيانا متوسطية حيث تعاني كل البرامج من اشكالية الفجوة بين الرغبة والقدرة, فالرغبات وثورة التطلعات الشعبية كبيرة لكن الإمكانيات والقدرات محدودة, لذلك تقع البرامج في فخ المبالغات والعبارات العامة للقفز فوق الفجوة والحقيقة أن أصحاب بعض البرامج يدركون هذه الفجوة فيتحدثون عن استعادة مكانة مصر وانطلاقها خلال عشر أو خمس سنوات وأحيانا خلال عشرين سنة, وهي كلها فترات زمينة طويلة, ولا تتفق مع مدة الرئاسة لفترة واحدة أو حتي فترتين, مع صعوبة ضمان الفوز بفترتين. أما الملاحظة الرابعة فتدور حول التشابة بين برامج المرشحين في كثير من القضايا, خاصة الحريات العامة والسياسة الخارجية ومشروعات التنمية الشاملة أو الإنسانية بحسب بعض البرامج وكل البرامج تقريبا تتحدث عن تنمية سيناء, وإقليم القناة, والساحل الشمالي ووادي النطرون, أما نقاط الاختلاف القليلة فتدور حول أولويات تنفيذ تلك المشروعات وحجمها, وأهمية تنمية النوبة وبحيرة ناصر والصعيد واستغلال الطاقة الشمسية والنهوض بالسياحة وتتفق برامج المرشحين علي هوية مصر العربية الإسلامية, وعلي المادة الثانية في دستور1971, لكن الخلاف يدور بشأن المرجعية الإسلامية وحدودها, كما بشر بعض المرشحين بالتطبيق المتدرج للشريعة. وأعتقد أن تشابه أغلب البرامج يرجع إلي ما يعرف بالتداخل الخطابي نتيجة الظروف السياسية والاجتماعية التي يتحركون فيها وتؤثر فيهم, علاوة علي محاولة كل مرشح استعارة النقاط المميزة التي يطرحها منافسوه, وقد تكون تلك الاستعارة مقصودة أو غير مقصودة, وثمة منافسوه, وقد تكون تلك الاستعارة مقصودة أو غير مقصودة, وثمة آثار ايجابية لهذه الاستعارات الخطابية, حيث يمكن ان تتطور مواقف مرشح إصلاحي وتدفعه للاستجابة للظروف السياسية العامة, واقصد بها مناخ الثورة, وقد ظهر ذلك في برامج بعض المرشحين المحسوبين علي عصر مبارك أو أصحاب النزعات الإصلاحية, هؤلاء جميعا تبنوا نقاطا برنامجية علي يسار مواقفهم الحقيقية, لكن الإشكالية هنا أن هذا التحول قد يكون لأسباب طارئة ترتبط بمتطلبات الحملة الدعائية ومحاولة كسب الأصوات, ما يعني أنه تحول مؤقت ومظهري, وبالتالي سيكون من الميسور ان يعود المرشح إلي أفكاره الأصلية بعد انتهاء الانتخابات, وسيكون من السهل عليه تبرير هذا التراجع امام الناخبين في حالة فوزه بالرئاسة. الملاحظة الأخيرة ان التعميم والتلون في البرامج وفجوة القول والفعل تكشف عن استخفاف كثير من المرشحين والناخبين بأهمية البرامج باعتبارها عقدا يحكم العلاقة بين المرشح والناخب, ولا يحق لأي منهما التلاعب في بنوده, وهذا الاستخفاف يعكس الثقافة السياسية لعصر لمبارك والتي تقوم علي أكاذيب مثل عدم اهتمام الناخب المصري بالبرامج وأن العوامل الشخصية والدينية أو الانتماء الإيديولوجي أو الجهوي هي التي تحكم خيارات الناخبين. آن الأوان لتغيير مكونات الثقافة السياسية لعصر مبارك والتي أشاعت الفساد والتزوير وضعف المشاركة السياسية, واعتقد ان عملية التغيير قد بدأت, فالسلفيون لم يختاروا مثلا التصويت للمرشح الرسمي للإخوان والأقرب لأفكارهم ومواقفهم, وبعض اليساريين قرروا منح أصواتهم لمرشح ينتمي للتيار الإسلامي وبدأت وسائل الإعلام تؤثر في النقاش العام لبرامج المرشحين وتكشف عن مبالغات البعض والأرقام المغلوطة التي ادعي بعض المرشحين إمكانية تحقيقها خلال أربع سنوات فقط هي عمر الرئاسة الأولي والتي لن تكون من وجهة نظري سوي مرحلة انتقالية لترتيب البيت من الداخل, والاستعداد لبدء نهضة حقيقية.