علي ضوء نتائج انتخابات الكونجرس الأخيرة, جذب كتاب االعقل السياسيبThe Political Mind للعالم الأمريكي جورج لاكوف, الأضواء إليه فهو حاول أن يقدم اجابة علي السؤال: لماذا فاز الجمهوريون في الانتخابات؟ والكتاب يعالج موضوعه من زاوية علم النفس السياسي, والمؤلف له كتابات في هذا العلم ويقوم بالتدريس بجامعة كاليفورنيا. ومن المعروف أن صناعة القرار السياسي علي مستوي الرؤساء في أمريكا, تلجأ إلي استخدام علم النفس السياسي, بالدراسة المتعمقة للإحاطة بكل تفاصيل شخصيات رؤساء الدول المزمع اتخاذ قرارات مهمة تجاههم, حتي يمكن حساب ردود أفعالهم عند تنفيذ القرار, والتحسب لما بعد القرار. وهذه الطريقة استخدمت مع رؤساء كثيرين منهم نيلسون مانديلا, وصدام حسين, والسادات, وعبد الناصر وغيرهم. البروفيسور لاكوف يشرح في كتابه, لماذا فاز الجمهوريون في الانتخابات في ظروف معينة. ويقول أن الجمهوريين المتشددين في الفكر المحافظ, يتلاعبون بالناخبين. فهم يجهزون العقول لتلقي أفكارهم, مثل تجهيز الأرض المنزرعة, بنثر بذور مبادئهم التي يصيغونها في شكل مثالي, فهم مثلا يغرسون في العقول فكرة سياسية, يراعون أن تريح الناس. وبحيث ينمو الزرع, ويمد له جذورا في العقل الذي يتلقاه. وحين غرسوا في العقول فكرة الحرب المزمنة علي الارهاب كحرب عالمية, فقد فعلوا ذلك في لحظة صدمة هزت الناس في الحادي عشر من سبتمبر, وفي توقيت كانت فيه جدران العقول غير حصينة. ويكون الخوف الذي زرعوه في العقول قد استشري, حتي يتضاءل التنبه إلي سوء قرارات ادارة بوش. وبذلك يتم الاقتناع بأفكارهم بطريقة آلية, اعتمادا علي أقل قدر من الحقائق, وأكبر قدر من الصور والمؤثرات الدرامية. وإذا كان لاكوف يري أنهم يستثمرون مناخ الخوف الذي عملوا علي تصاعده, فإنه يضاف إلي ذلك ما هو مستقر في الدراسات الأمريكية من أن جاذبية الجمهوريين لدي الناخب ترتفع في أوقات الأزمات الكبري والتهديدات الدولية, وتتراجع في الأوقات التي يسود فيها التهدئة ويخفض التوتر. أي أن المزاج النفسي يلعب دوره في التوجه السياسي للناخب. ويطرح لاكوف في كتابه عددا من الملاحظات المهمة منها: (1) إن الناخبين لا يميلون في العادة إلي التصويت علي تفاصيل مواقف المرشح من المشاكل. لكن علي توجهات المرشح, وما إذا كان يمثل تعبيرا عن فكر سياسي واضح. فأوباما قدم نفسه في سباق الانتخابات التمهيدية عام2008, كشخص يمثل رمزا لمبادئ مختلفة يؤمن هو بها, وليس كسياسي محترف يعزف علي هوي رغبات الجماهير حتي ولو لم يكن مؤمنا بها. كما أظهر أوباما قدرة علي التواصل مع الناس, وبدا شخصا تستطيع أن تثق فيه, وتقترب فكريا منه. وهي أشياء صنعت ما وصف بسحر أوباما, وهي أشياء تختلف عما هو معتاد من السياسيين المحترفين, والذين ملهم الناخب, وانجذب إلي دعوته للتغيير. (2) السياسة الداخلية في أمريكا يسودها نمطان رئيسيان من الأفكار في أمريكا: نمط محافظ وآخر ليبرالي أو معتدل, والأمريكيون ينشأون وعقولهم معرضة للنمطين في مراحل مختلفة من حياتهم. بعض الناس يكونون محافظين تجاه السياسة الخارجية, ومعتدلون بالنسبة للسياسة الداخلية, أو محافظون بشأن المشاكل الاقتصادية, ومعتدلون تجاه المشاكل الاجتماعية. والعكس وحين ينشط النمط المحافظ فإنه يكبح النمط المعتدل. وأحيانا يفكر البعض كمعتدلين إزاء عدد من القضايا, بينما يصفون أنفسهم كمحافظين. (3) أن الجمهوريين نجحوا بطريقة منظمة ومكثفة خاصة من خلال مراكز البحوث الكثيرة والتي أنشأوها, أو التي تولي فيها رجالهم المراكز القيادية, في توجيه المناقشات السياسية, في الاتجاه الذي يضمن ان تسود الأيديولوجية المحافظة. ومن خلالها يصوغون المصطلحات اللغوية التي تنفذ الي عقول الناس, عن طريق ترديدها مرارا وتكرارا, مثل مصطلحات: محور الشر والقرن الأمريكي الجديد وتراجع سيادة الدول والفوضي الخلاقة وغيرها, بحيث تحتويها العقول تلقائيا. .. ونظرا لأن كتاب لاكوف صدر قبل انتخابات الكونجرس الأخيرة, فإنه من ناحية أخري يثير سؤالا مهما هو: إذا كان الجمهوريون قد نجحوا في إشعال النار في صدور الغاضبين, علي السياسة الاقتصادية لأوباما, وانتزعوا من الديمقراطيين الأغلبية في مجلس النواب, فلماذا فشلوا في تحقيق نفس النتيجة في مجلس الشيوخ؟ الحقيقة أن أصحاب الاتجاه الليبرالي المعتدل, قد ازدادوا عددا منذ التسعينات, فظهر حجمهم في تأييدهم لأوباما في انتخابات الرئاسة عام2008, ووصلت نسبتهم الي22% من إجمالي الناخبين, وتزامن صعودهم مع ما أدت اليه سياسات بوش الكارثية, إلي كسر القشرة النفسية, لأفكار بث الخوف الدائم, والفزع القومي, التي كانت قد كست العقل السياسي. وهذه الكتلة التصويتية القادرة علي ترجيح كفة المرشح الذي يقدر له الفوز, لم تتحرك نحو الجانب الجمهوري بتأثير اقتناع بأفكار الجمهوريين, بل أرادت أن تبعث برسالة غاضبة إلي أوباما, بأنه لم ينفذ ما وعدها به من تغيير, كان هو المحرك لها لتأييده عام.2008 أي أن هذه الكتلة لم تتحرك بدافع ايديولوجي, وإنما مدفوعة بمؤثرات المزاج النفسي.