كل هذا يدفعني إلي القول ان الفكر المصري يحتاج الي ثورة موازية للثورة الشعبية الغراء, والتي ازعم أنه إذا لم تحدث تلك الثورة لضاعت ثورة يناير هباء عندما طلب مني أن أكتب مقالات هنا علي صفحات الأهرام المسائي تملكتني الحيرة. عن أي شيء أكتب وقبلها لمن أكتب؟ هل أكتب للشباب أم للنساء أم للسياسيين أم لمن؟, فكان قراري ان أكتب لكل مصري يحب هذه البلد مسلما كان أم مسيحيا, ليبراليا كان أم محافظا. أكتب لكل إنسان يخاف علي ثورة شعب عاني الظلم والعدوان من أن تسرق ثورته وتضيع هباء, وقبل أن يذهب ذهن ال لكن ما هو هذا الفكر الذي يمثل خطرا جاثما علي صدر الثورة بل ومصر بشكل عام. الفكر الذي أعنيه هنا هو مجموعة التصورات والرؤي المنغلقة التي ترفض الانفتاح علي الآخر وترفض حرية التفكير وتتيح حرية التكفير. لكن ليس هذا هو الفكر الذي أعنيه وحسب بل مجموعة المنهجيات التي تساهم في تشكيل هذه الرؤي والتصورات التي لو أردنا علاج مثل تلك الأفكار فعلينا الولوج اليها مباشرة. كل هذا يدفعني إلي القول ان الفكر المصري يحتاج الي ثورة موازية للثورة الشعبية الغراء, والتي ازعم أنه إذا لم تحدث تلك الثورة لضاعت ثورة يناير هباء, نحن نحتاج الي عملية تنوير فكري وعقلي جذرية أركيولوجية تجتث بذور التطرف والانغلاق. ولكن اليس هناك من يقول أن الثورة المصرية غيرت الفكر بل الأفكار التقليدية الانغلاقية. إلم يحم المسيحي المسلم عند صلاته في ميدان التحرير ولم تتعرض الكنائس إلي أي هجوم أيام الثورة, وغيرها من الشواهد التي لم نألف مشاهدتها خلال العقود الثلاث المنصرمة. قبل أن أنفي حدوث تغيير حقيقي في العقل الجمعي المصري, أحيلك قارئي العزيز إلي مشاهد ما بعد الثورة, التي تمثل نموذجا مختلفا لما كنا نشاهده في ميدان التحرير أيام الثورة بل وفي كل شوارع المحروسة فمن تلك المشاهد قيام مجموعة من المتطرفين بهدم كنيسة صول وقيام عناصر أخري بمحاصرة الكرازة المرقسية بالعباسية في مشهد أحالنا إلي مشاهد كانت تحدث في العصور الغابة أيام الحروب التقليدية ومحاصرة المدن. وليس الأمر مقصورا علي الأحداث ذات البعد الطائفي, بل يمتد إلي حالات العنف اللفظي والرمزي والبدني, بدءا من المشاجرات اليومية إلي القتل الذي اصبحنا معتادين عليه. كل تلك المشاهد المنحطة كنا نشاهدها يوميا في العهد البائد. أي أن الثورة كانت استثناء يؤكد القاعدة, التي تقول اننا نعاني من حالة ترد فكري وثقافي كبير وارجو الا يحيلنا البعض إلي الظروف الاقتصادية فهذه الظواهر منتشرة في الأوساط الراقية أيضا, وذلك ليس بالأمر الغريب فالثورات لا تغير العقول والأفكار انما تضع اللبنة التي يمكن البناء عليها, لإحداث تغيير فكري حقيقي في العقل المصري علي مستوي الفرد والمحموع. والسؤال هنا كيف يحدث هذا التغيير؟. فمعرفة الأسباب مهمة ولكن الأهم هو سبيل العلاج الذي يبدأ أولا واخيرا من التعليم الذي يشكل الاداة الانجح في تطوير أي فكر رجعي, والتعليم الذي أعنيه بالدرجة الأولي هنا هو المنهجيات التي لا تعتمد علي التنقيط والتنميط, بل التي تطلق للعقل حرية التفكير السؤال, وليس فقط التعليم, فالمفكرون المستنيرون هم عماد فكر أي وطن نحن في حاجة إلي مفكرين نهضويين أصحاب مشاريع فكرية عملاقة لكي يقوموا بدورهم في توعية المجتمع والارتقاء بفكره ويبقي للمؤسسات الدينية المتمثلة في الأزهر والكنيسة دورها في مواجهة الانماط الفكرية البالية التي تؤخر ولا تقدم. مهندس وناشط سياسي شاب