ما أن تحل ذكري انتصار أكتوبر حتي تتكرر مشاهد إحياء الذكري نفسها ببضعة مقابلات لأبطال الحرب و معظمهم من القادة علي اختلاف رتبهم العسكرية آنذاك, فضلا عن تسويد المطبوعات والجرائد السيارة ببعض المقالات و أخيرا احتفاليات فنية لتجسيد الحدث بالتعبير الفني علي تباين إبداعاته. وأحيانا ما يتم افتتاح بعض المشروعات الحكومية سواء صادف الموعد المناسبة أو واكبها تفصيلا. والواقع أن تكرار الإيقاعات نفسها مع تغير الشخوص والمظاهر دون الوسائل إنما يثير في الذهن بعض تساؤلات حيال صدقية التعامل مع الحدث بحس وطني, وكذا دافعية إظهاره بما يليق به لما يحمله من معان تظل حية في الوجدان الوطني مهما تقادم عليها العهد. فلقد أكرم المولي هذا الوطن بتلك المناسبة التي لا تقل عن اليرموك و حطين والقادسية وغيرها من مواجهات الشرف والرفعة, لاسيما وأنها جاءت بعد هزيمة( نكسة) دفعت فيها الأمة ثمنا غاليا للانكسار الذي لم تكن سببا مباشرا فيه. وعندما تم النصر وتصدر الموقف من تصدر توارت قيم كثيرة في خلفية المشهد لا سيما في ظل وجود جيل جديد في مجال الإعلام لم يعش اللحظة, فضلا عن أن مفردات التعبير للوطنية قد تغير كنهها نتيجة لمستحدثات العصر في الوقت الذي ما تزال مفردات عقلية الماضي هي المسيطرة علي سبل إحياء الحدث. ولقد تمنيت لو أصبحت لدينا خطة أكتوبرية تربط الإنجازات المباشرة بالاحتفال بالحدث, بحيث تكون لدينا أجندة لمشروع قومي سنوي حقيقي يشعر به الناس علي أن تكون أولوياته للتعليم والصحة بعيدا عن الخطط الخمسية الرسمية. ولكم تمنيت أن توجه هذه المشروعات لأماكن في بر المحروسة باتت خارج إطار الزمن, بحيث يصبح بعثها مواكبا لبعث الحياة في حدث أكتوبر ليضفي عليه رونقا حقيقيا مستحقا. ولكم تمنيت أن تلقي المزيد من الأضواء علي أبطال الأمس البعيد لنعيد بهم صياغة مفهوم البطولة والتضحية في إطار الوطن الحالي, ليصبحوا هم المسئولين عن متابعة هذه الصياغات وتفعيلها في مواقع شتي علي أرض الوطن. إن من واجبنا نحو هؤلاء أن يظلوا أحياء في نسيج الوطن بذات قدر حياة الشهداء المستدامة في وجدانه. ولذا فمن حق شهداء الوطن أن نعيد لتضحياتهم رونقها عبر ذويهم, بمتابعة مقدراتهم وحل مشكلاتهم وتقديم العون لهم من خلال جمعيات تطوعية منظمة تعرف قدر هؤلاء وما قدموه لتصبح بخدماتها خير عوض عن فقد السند والعائل. إنه البعد الاجتماعي الإنساني الذي سرعان ما تواري في غمرة إيقاعات الحياة, مما قد يخلف مرارة لو تم تصديرها للأجيال المتعاقبة في أسرة كل شهيد لكان الخسران لا قدر الله مبينا. ولكم تمنيت أن يتم في أكتوبر تكريم عددا من أبناء مصر في الخارج ممن يقومون بأعمال جليلة لخدمة الوطن وأبنائه وما يزالون غير محسوس بهم, الأمر الذي من شأنه بعث روح الانتماء لديهم و أبنائهم و ما أعظمه من بعث. كما لا يفوتني أن تسلط الأضواء علي العديد من أبناء الوطن في الداخل ممن قدموا طواعية تضحيات وخدمات في مجتمعهم مهما صغر شأنها, لنربط كل ذلك بروح أكتوبر/ رمضان الذي ما ينبغي أن يظل حدثا في شهر بل الأولي بنا أن تصبح كل شهورنا أكتوبر. (إشراقات السعدي138): في سعينا الحثيث للوجود الدائم بالملعب, ينسي بعضنا أن يحجز لنفسه تذكرة في مقاعد المتفرجين.