في غمرة ما يمر به الوطن من أحداث و حوادث تدفع كل يوم بشخوص جديدة لا تملك أمامها سوي الإنحناء إجلالا أو التجاهل تحقيرا, يأتي حدث عودة نموذجين من أبناء الوطن إلي الحياة ليفرض نفسه علي مخيلتي ووجداني منذ ظهورهما. و علي الرغم من أن الأول و هو ساطع النعماني حي يرزق, فإن الثاني و هو الشهيد الذي عثر علي رفاته عند الحفر بمشروع القناة الجديد لا يزال هو الآخر حيا عند ربه سماويا و في وجدان وطنه دنيويا, الأمر الذي أغري بي لتمثلهما كنموذجين من نماذج العطاء الوطني ما أحوجنا لإعلاء العديد من القيم من خلالهما. كلنا يعلم ما تم من اعتداء و معاناة لضابط الشرطة الهمام ساطع النعماني الذي كان قاب قوسين أو أدني من الشهادة ليموت دون عمله, لولا أن كتب الله له النجاة بعد غيبوبة من مائة يوم تذكرني بالوعد البائس بالحلول السحرية ذات المائة يوم أول عام الإخوان. مع الفارق بين المئويتين حيث الأولي كانت من أجل أبناء الوطن و الثانية كانت للضحك علي أبنائه, و شتان بين مئوية للخلود و أخري لأمل مفقود., و قد نؤكد مع ساطع النعماني ذاته أن ما قام به من عمل و ما قدم من تضحية جسدية و معنوية يقوم به العديد تطوعا أو وجوبا من أبناء الوطن المخلصين أمثاله, بيد أن ما أود لفت النظر إليه في حالة ساطع هي قدرة الدولة رسميا علي الفعل, و هو أمر لو بعثت الحياة فيه لأدركنا جميعا أن قيمة المواطن لدي الوطن قد اعتراها الشيء الكثير من التغيير و الاهتمام. و لو رسخ هذا الأمر ليصبح دستور عقدنا الاجتماعي بين الشعب و الوطن لأصبحت المميزات التصورية من علاج خارجي أو عدالة انتقالية أو أمن اجتماعي و تشريعي ناجز حقا مكتسبا عمليا, و لأصبحت المبادرات من أجل الوطن مستعصية علي الحصر. ليصبح للنعماني مدرسة في مباديء الوطنية غير مغلقة الأبواب تعطي كل يوم درسا في الوطنية و إنكار الذات, ليصبح لدينا من خريجيها الملايين أو بالأحري ليصبح الوطن بها المدرسة الكبري التي تضم بين جنباتها مواطنا من نوع خاص لكونه سيصبح كساطع النعماني المعلم و المتعلم علي حد سواء. أما النموذج الآخر فيتعلق برفات الجندي التي عثر عليها عند الحفر في المشروع الجديد لقناة السويس, و لكم تمنيت أن تكون هناك دراسة مستفيضة لظروف وجودها بمفردها في هذا المكان أو أن تقام مراسم تليق بجلال الموقف, مثلما يفعل بنو إسرائيل مع ما يتسلمونه من جثامين تخص جنودهم, حتي إن تسليمها كان أحيانا بمثابة الورقة في مفردات بعض المفاوضات السياسية. و لعمري فإن العثور علي هذا الرفات إنما يمثل تجسيدا لاستمرارية التضحية و بعثها المتجدد في النفوس, لذا فإنني آمل أن يقام نصبا تذكاريا علي ضفة القناة الجديدة يصبح شاخصا للعيان علي ما قدمه هذا الجندي( المجهول) ذاتا و( المعلوم) عملا من تضحيات تمثل حلقة من سلسلة الفخار المستدام للعسكرية المصرية علي مر العصور. و الواقع فلئن كان القدر قد حفظ لنا ساطعا ليكون له حظا من اسمه بيننا فإنه في المقابل قد جعل من رفات الشهيد نموذجا حيا لنا, نتمثل منهما مقابلة الحياة بالموت و توازي التضحية علي تنوعها. و ليتبقي من حقهما علينا أن يكون هناك تكريم من نوع مختلف لا يقتصر علي الكلمات أو الاحتفاليات علي رقيها, بل تتعداه إلي استدامة تنسحب علي كل من قدم تضحيات متميزة سواء أفاد منها حيا أو ذويه شهيدا. إن كلمات الإمتنان التي عبر بها ساطع عن نفسه لينبغي أن نحييه بأحسن منها, فقد بذلتم و أقرانكم أثمن ما يملك المرء و هي روحه. فلتنعموا بوعد الحق في الروح و الريحان و جنة نعيم.. و ما أصدقه و أجله من وعد. ________________________________________________________ ( إشراقات السعدي45): لو كنت لي يا مصر.. طاقة نورانية أو قوة روحانية أو فكرة عقلانية أو أنثي ملائكية..و حسب.. لأحببتك.. فما بالك و أنت لي منحة إلهية و هبة كونية.. عشقت بها الحياة فأحبتني فيها الحياة.. فهلا عرفت عندي معني أن أحبك.!!