مثلما تقاس أعمار البشر بالسنين وتتحدد فترات الحضارات بالحقب والعصور وخبرات الطيارين بساعات الطيران، يصبح عدد الإصدارات بمثابة المقياس الزمنى لعمر المطبوعات لا سيما إذا كانت غير يومية الصدور. وفى هذا العدد من «أكتوبر» الغراء تكون ألفيتان من الإصدارات قد خرجتا إلى النور على مدار قرابة التسع والثلاثين عاما، أى أنها عايشت جيلًا كاملًا شهد الحياة بعد مصر أكتوبر. ولعل الوقوف عند هذه المناسبة يملى علينا رصدًا مزدوجًا قوامه الذكريات الشخصية مع المجلة على قلتها والطموحات المنشودة والمرتقبة وبما يليق بتمثل مراجعتها فى قراءة أمينة لأحوال الوطن على مدار حوالى أربعة عقود، لا سيما أن ظهورها قد ارتبط بقرار «ساداتى» أى فوقى فى حين كفل لها اسمها خلودًا ضمنيًا لارتباطها بحدث من فخار الأمة وهو نصر أكتوبر العظيم. وعلاقتى بأكتوبر قبل الكتابة المنتظمة لم تتعد خبرًا أو أكثر فى «اتجاه الريح» وثلاثة تحقيقات منذ عشر سنوات تكفَّل بها الصديق الأستاذ محمد الكيلانى مدير مكتب المجلة بالإسكندرية وتمحورت حول الفساد أو الرشوة فى العصر الفرعونى تحديدًا وكذا الحضور التاريخى للمرأة المصرية، حيث مثلت كتاباتى الأكاديمية البعد التاريخى الذى انطلقت منه تلك التحقيقات الجادة فى حينها. ولم يخطر ببالى كقارئ أنه سيأتى زمان يصبح لى بهذه المجلة المحترمة صفحة كاملة فى كل عدد، وهو ما تحقق على يد الصديق المتمرس د.حسن أبو طالب بعدما تولى رئاسة التحرير بجانب مجلس إدارة دار المعارف. ويحسب لسيادته ومن ثم مجلة أكتوبر وهى تستعيد شبابها فى ثوبها القشيب المتجدد أن سمح لى بتحقيق حلمى جزئيًا عبر عشرة مقالات قمت فيها بإعادة قراءة فكر الإخوان من خلال مجلة «الدعوة» لسان حال الجماعة فى العهد الساداتى، لتتوالى كتاباتى بعدها بالتطواف مع الهم العام فى بر المحروسة. ولتأتى هذه المقالة بمثابة وقفة لمحطة مهمة من عمر المجلة وأعنى بها استشراف الألفية الثالثة بطموحات مأمولة وإيقاعات أكثر تسارعًا تتفق وطبيعة العصر، فى ضوء أسبوعية الإصدار التى تجعل اجترار بعض الأخبار على مدار الأسبوع ذى سمة خاصة تتعدى الرصد المباشر إلى التوثيق والتحليل، وهو ما يعين الشخصية المميزة للعديد من الإصدارات غير اليومية ويعيها أهل الاختصاص أكثر من كاتب هذه السطور. لقد آن الأوان أن تصبح «أكتوبر» مدرسة متميزة فى الحقل الإعلامى بما تستمده من أصالة الانتساب إلى واحدة من أقدم دور النشر والإعلام فى مصر وهى «دار المعارف» فضلًا عن سحر المسمى «أكتوبر» فى وجدان الأمة، ومن قبل ومن بعد كتيبة متمرسة من حملة أمانة الأداء فكريًا وفنيًا وإداريًا. وأحسب أن البداية تكون مع ندوة موسعة بتقييم شامل يبدأ من الشكل وحتى المضمون، وكم تمنيت لو قلت مساحة الصفحة بالمجلة قليلًا وزادت صفحاتها أو بالأحرى الإصدارات والملاحق التى تتناول قضايا وموضوعات بعينها تصبح بمثابة إصدارات مرجعية تمكن أصحابها من الاحتفاظ بها بمفردها، كما أتمنى أن يتم تجميع أعداد المرتجعات منذ بداية الصدور فى مجلدات عشرينية تتاح لراغبى الاقتناء وتوزع على مكتبات الجامعات وكليات الإعلام بأقسامها الصحفية المتخصصة لتصبح مجلة «أكتوبر» مرجعًا ميسرًا لأى باحث فى مجال الإعلام أو حتى فى مجالات أخرى يهدف لتوثيق عمله بمرجعية موضوعات المجلة. وفى هذا الصدد أتمنى على الكليات المتخصصة فى المقابل أن تجعل من «أكتوبر» موضوعًا لدراسات بحثية متنوعة سواء على مستوى الرصد المقارن مع مثيلاتها إقليميًا ودوليًا أو على مستوى الأداء المهنى حتى تترسخ معالم مدرسة «أكتوبر» الصحفية. ويا حبذا لو دعت المجلة ذاتها لمسابقة بين أهل الاختصاص والهواة كل حسب مستوى التناول على أن تجعل أهم جائزة للفائزين هى إتاحة الفرصة لنشر بحوثهم ودراساتهم عبر المجلة، فضلًا عن تحفيزهم بإمكانية الكتابة بالمجلة لتكسب جيلًا جديدًا من الكتاب الذين خبروا المجلة بحثًا فكافأتهم انتماء. إن ألفى عدد من مطبوعة فى دولة بحجم مصر لا ينبغى أن يمر علينا مرورًا عاديًا، فشىء طيب أن يتم تكريم رموز ممن حملوا عبء التحديات على كثرتها للاستمرار على صعوبته، بيد أنه من الأهمية بمكان أن ندرك القيمة الحقيقية من إصدار كمجلة «أكتوبر» مثلت ولا تزال فى رأيى نمطاً من كتب الوطن المفتوحة على سجلات أحداثه. بمعنى أننا نستطيع قراءة الوطن بكل ما تعرض له من خلال رصدنا لأعداد المجلة شكلاً وموضوعًا، إذ تتناسب – فيما نرى - معالمها المميزة تناسبًا طرديًا مع أحوال البلاد وبما ينعكس على مقدراتها سلباً وإيجابًا. ولعل المتابع لهذا الأمر يمكنه بسهولة رصد أيام الانطلاق والوجود الفعلى المؤثر لأكتوبر على الساحة الإعلامية وما يقابله مع أوقات التوارى والخفوت الذى كان يصل أحيانًا ينزع للصدور لمجرد الظهور، وهى مسألة توازت مع حال البلاد من الاستاتيكية المقيتة إلى الحراك الديناميكى على كافة الأصعدة. ولعل تنامى مؤشر الصعود لهذا الحراك هو ما يفسر أيضًا استعادة المجلة للكثير من رونقها المعهود مؤكدة على أصالة معدنها الذى يتلألأ بريقًا إذا أتيحت له الفرصة أو أعيد صقله. وتبقى فى الختام أمنية إصدار نسخة مصغرة من أول عدد للمجلة مع العدد 2001، وأن تبدأ المجلة تبنى سلسلة من الحملات القومية بتحقيقاتها وعددًا من المقابلات الصحفية فى حواراتها مع نماذج وطنية غير مشهورة. تعميقًا للانتماء وترسيخًا لقيمة أنها مجلة كل المصريين مثلما كان الفخار الذى تحمل «أكتوبر» اسمه ملكًا لكل المصريين صناعة وتاريخاً.. «وكل ألف عدد وأنتم طيبين».لا